يعتبر الأمر الملكي الكريم الذي أصدره الملك عبد العزيز يرحمه الله في عام 1932 والذي غير بموجبه اسم مملكة الحجازونجد وملحقاتها.. إلى اسم المملكة العربية السعودية من أهم الأوامر الملكية التي أصدرها رحمه الله في تاريخ المملكة، لأنه كان تعبيراً صادقاً وأميناً عن مشاعر كل مواطني هذا الوطن الغالي الأثير.
وعلى مر الأيام أصبح هذا الاسم التليد والجميل غالياً على قلوبنا ونفوسنا جميعاً حتى أصبح اسم المملكة العربية السعودية غرة في جبين العالم العربي والإسلامي ومثلاً يحتذى ويقتدى.
كان الملك المؤسس يهدف من وراء هذا الأمر الملكي الكريم أن يكون هذا اليوم الوطني في هذا البلد الأمين هو يوم لكشف الحساب والمراجعة، أي في هذا اليوم من كل عام يجب أن نتوقف ونستعرض الإنجازات ونقارن بين إنجازات عام مضى وانقضى، مع إنجازات عام تال وقادم، بمعنى أن اليوم الوطني ليس يوماً للتعبير عن الفرحة الرومانسية العابرة، وإنما هو يوم للمراجعة واستعراض شامل لبرامج التنمية، ومن حق المواطن أن ينظر إلى الوراء من أجل أن يتقدم خطوات أكبر إلى الأمام، ويسأل: ما هو حجم إنجازات العام القادم وماهي البرامج المعدة لعام قادم يليه ِ؟

وربما يكون من المناسب أن نستعرض بإيجاز ـ لضيق المكان ـ التقدم الهائل الذي تحقق في المجال الرياضي وهو الواجهة الشبابية المشرفة في عمليات التطور والتقدم.
وبصورة عامة نستطيع القول إن جيل الشباب اليوم يعبر عن مواهبه من خلال الإنجازات الرياضية المتعددة التي حققها في أكثر من لعبة رياضية وفى أكثر من مجال رياضي ليس على الصعيد المحلى فقط ، وإنما امتدت البطولات الرياضية السعودية الناعمة حتى البطولات الخليجية والبطولات العربية والبطولات الآسيوية ثم العالمية..
وإذا استعرضنا كل دول العالم المتقدم كاليابان وأمريكا وبريطانيا وألمانيا.. نجد أن القوة الرياضية الناعمة هي التي صنعت التقدم، وهي التي حققت النقلة من العالم المتخلف إلى العالم المتقدم.
وإذا كان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قد أسس هذه المملكة الغالية عند كل إنسان سعودي وكل إنسان عربي وكل إنسان مسلم، فإنه هو الذي أسس صروح الحركة الرياضية السعودية، ونعرف جميعاً أن الملك عبد العزيز كان ممارساً حاذقاً للعرضة النجدية، ونعرف جميعاً أن الملك عبد العزيز كان فارساً مغواراً يتهادى على صهوات خيله بمهارة لا يجاريه فيها أحد، ونعرف جميعاً أن الملك عبد العزيز كان يتمتع بجسم رياضي وقوام فارع وقامة مديدة مكنته من ممارسة مجموعة من الألعاب الرياضية كالعدو والصيد والفروسية والمصارعة وألعاب القوة بأشكالها التقليدية المختلفة..
وهذه المجموعة من المهارات الرياضية التي توفرت للملك عبد العزيز طيب الله ثراه.. جعلته يقود معارك جيشه في جميع بطاح ونجوع شبه الجزيرة.. شمالاً وجنوباً.. شرقاً وغرباً حتى استطاع بفتوته أن يؤسس هذا الكيان الكبير.
قال لي معالي الشيخ محمد رضا زينل وهو أول رئيس لناد سعودي « الحجاز الرياضي بجدة « وأول وزير للتجارة في المملكة.. قال حينما دخل الملك عبد العزيز مدينة جدة في عام 1344هـ (1925) رحب به أهالي جدة ووجهوا إليه الدعوة لحضور حفل عشاء يقام على شرفه بمناسبة تسليم مدينة جدة لقيادته الحكيمة..
وأقيم الحفل على ضفاف شرم أبحر وتضمن برنامج اللقاء كلمات المبايعة والتأييد لجلالته وكذلك تضمن برنامج الحفل عرضاً من أبناء جدة للعبة المزمار؛ وكانت هي اللعبة الرياضية الشعبية الأولى في مدينة جدة التي تقام في المناسبات الوطنية والشعبية..
وأضاف معاليه أن الملك عبد العزيز انبسط جداً من رقصة المزمار وطلب أن يشارك فيها وفعلاً نهض واقفاً وطلب « شونا « ومسكت أنا « شوناً « آخر ورقصت أمامه المزمار على وقع أنشودة لدرويش كيال تقول:
مليكنا يا بدر بادي
مليكنا يا ابن سعود
بالذهب نفديك ونستقبلك
ثم يرد الرديدة:
هلا هلا باللي جا
يا مرحبا باللي جا
وكان وقع الطبل والنقرزان على أذن المليك أخاذا فجعل يتهادى وسط هتاف وترحيب الحاضرين..
وبصورة عامة كانت الاحتفالات والاستقبالات التي تقام للملك عبد العزيز ـ في مختلف مناطق المملكة ـ لا تخلو من الفقرات الرياضية، فإذا دعي لافتتاح مدرسة من المدارس كان برنامج حفل الافتتاح يتضمن عرضاً رياضياً لأبناء المدارس بالإضافة إلى كلمات الترحيب..
وكان إذا قام بزيارة لشركة الزيت العربية الأمريكية « أرامكو « في المنطقة الشرقية يتضمن حفل الاستقبال إقامة مباراة رياضية بين موظفي الشركة، أو بين الشركة وإحدى الفرق الرياضية.
وفي عهد الملك عبد العزيز قررت وزارة المعارف مادة « التربية البدنية « التي تغيرت فيما بعد إلى مادة « التربية الرياضية «.. في مدارس المملكة، في وقت كان بعض الأهالي يعتبرون ممارسة الكرة ممارسة غير أخلاقية..
وفي عهد الملك عبد العزيز لعبت المملكة دوراً رئيسياً في إقامة أول دورة رياضية عربية «اوليمبياد العرب « باعتبار أن المملكة ـ بتوجيه من الملك عبد العزيز ـ كانت إحدى الدول العربية السبع المؤسسة لجامعة الدول العربية..
وفي عهد الملك عبد العزيز تأسس أول مجلس للوزراء بأمر ملكي منه صدر قبل وفاته بخمسة أشهر ولكنه لم يتشكل المجلس إلا بعد وفاته، وكان أول جهاز حكومي رياضي ضمن أجهزة وزارة الداخلية، وهذا الجهاز هو الذي مثل المملكة في مؤتمر الإسكندرية لدعم إقامة الدورات الرياضية العربية « اوليمبياد العرب « كل أربع سنوات..
بل إن هذا الجهاز هو الذي شكل الاتحاد السعودي لكرة القدم في يوم الأربعاء 26 رمضان 1374هـ (18 مايو 1955) وهو الذي نظم أولى بطولات الدوري العام على كأس الملك ودوري الكأس على كأس ولي العهد في عام 1377هـ (1957).

الأندية التي تأسست
في عهد الملك عبد العزيز

لقد ولدت في عهده أغلب الأندية السعودية العملاقة، وفي عهده الزاهر تربى شباب هذه الأندية على القيم والتقاليد السعودية العريقة. وتقع الأندية التي تأسست في عهد الملك عبد العزيز يرحمه الله ما بين عام 1347هـ (1927م) حتى عام 1373هـ (1953م) حيث انتقل الملك الصالح إلى الرفيق الأعلى في عام 1373هـ (1953م) وهذه الأندية هي:
ـ في مدينة جدة تأسس نادي الاتحاد عميد الأندية ونادي الأندية السعودية في عام 1347هـ (1927م).
ـ في مكة المكرمة تأسس النادي الأهلي في عام 1348هـ (1928م).
ـ في مدينة جدة تأسس نادي الهلال البحري عام 1349هـ (1931م).
ـ في جدة تأسس نادي المختلط في عام 1350هـ (1931م).
ـ في مكة المكرمة تأسس نادي الوطن في عام 1350هـ (1931م).
ـ في مدينة جدة تأسس النادي الأهلي في عام 1357هـ (1938م).
ـ في المدينة المنورة تأسس نادي الاتفاق في عام 1360هـ (1941م).
ـ في مدينة الرياض تأسس نادي الموظفين في عام 1361هـ (1942م).
ـ في مدينة الدمام تأسس نادي الاتفاق في عام 1364هـ (1944م).
ـ في سيهات تأسس نادي النسر في عام 1364هـ (1945م).
ـ في المدينة المنورة تأسس نادي طيبة في عام 1365هـ (1946م).
ـ في المدينة المنورة تأسس نادي أحد « الفتح « في عام 1365هـ (1946م).
ـ في مدينة مكة المكرمة تأسس نادي الوحدة في عام 1366هـ (1948م).
ـ في مدينة الرياض تأسس نادي الشباب في عام 1367هـ (1947م).
ـ في مدينة الطائف تأسس نادي زهرة الربيع « الكواكب « في عام 1367هـ (1947م).
ـ في مدينة جدة تأسس نادي الأندوشين والتعاون في عام 1368هـ (1948م).
ـ في مدينة الطائف تأسس نادي التضامن في عام 1370هـ (1949م).
ـ في مدينة جيزان تأسس نادي التهامي في عام 1370هـ (1950م).
ـ في مدينة جدة تأسس نادي الكوكب في عام 1370هـ (1950م).
ـ في مدينة ينبع تأسس نادي المجد في عام 1370هـ (1950م).
ـ في مدينة الرياض تأسس النادي الأهلي « الرياض « في عام 1373هـ (1953م).
ـ في مدينة الهفوف تأسس نادي التقدم في عام 1373هـ (1953م).
هذه هي الأندية التي تأسست في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه.
وهناك فرق وأندية أخرى تأسست ثم اضمحلت، دون أن تترك أثراً واضحاً على تاريخ الأندية السعودية.
الملك عبد العزيز.. يقرر
تدريس الرياضة في المدارس

ولقد وضع جلالة المغفور له بمشيئة الله الملك عبد العزيز طيب الله ثراه على كاهله إعادة تنظيم مجتمع شبه الجزيرة العربية.. والعودة به إلى ما كان عليه في عصور الإسلام الأولى من إيمان عميق بمبادئه الإسلامية الخالدة، وقيامه على أسس علمية ورياضية وثقافية.. وعلى مبدأ محاربة الثالوث البغيض (الجهل والفقر والمرض ).. ففي عام 1343هـ (1924م) انتهى الملك عبد العزيز من فتوحاته الضاربة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.. وجعل من مدنها وقراها المترامية بلداً موحداً وشعباً واحداً تحت الراية الخفاقة راية « لا إله إلا الله محمد رسول الله « ثم التفت ـ طيب الله ثراه ـ إلى بناء المجتمع السعودي ووضع لبنات كيانه النامي.. فطفق يبث في مجتمع الجيل الجديد روح الإخاء والمحبة، وينشر بينهم حوافز البناء والعمل، وينمي فيهم نوازع العلم والرياضة.. ففتح المدارس وفرض العلم وضم الرياضة مادة من مواد العلم المدرسي وأعلن مجانيته.. وأخذت الرياضة طريقها بين أبناء هذه المدارس في مكة المكرمة وجدة. وهكذا عن طريق هذه المدارس عرفت الرياضة البدنية وتؤكد الدراسة التي أجريناها عن جذور تاريخ الرياضة بأن النشاط الرياضي عموماً في المملكة العربية السعودية.. لم يكن له وجود منظم إلا بعد دخول الملك عبد العزيز إلى الحجاز في عام 1343هـ (1924م).
ويصف المفكر عباس محمود العقاد النزعة الرياضية عند الملك عبد العزيز فيقول:
ربما كان منظر السباق الذي شهده أمس الملك عبد العزيز من أحب المناظر إليه وأحبها إلى قلبه، لأنه كما لا يخفى من أشهر فرسان الجزيرة العربية وأكثرهم ملازمة لمتون الخيل من باكر صباه.
ولكن الذي يقع عند كثير من القراء موقع الغرابة أن جلالته يحب الرياضة البدنية ومنها على الخصوص رياضة الصيد والقنص ويتكلم عنها في حماسة واشتياق كلما عرضت مناسبة من مناسباتها. حدثنا جلالته على يخت « المحروسة « عن صيد الغزلان وصيد الحبارى، فقال: إن الغزلان لا يستحب صيدها في غير موسم القيظ، لكن الحبارى على خلاف ذلك تصاد في أواخر الشتاء، وهي في هذه الفترة من السنة تتجمع على الأرض بالمئات، ويتقابل ذكورها على إناثها فتتزاحم في بقعة واحدة، وتصيب الطلقة الواحدة منها عشرات وهي على هذه الحالة.
قال جلالته: ولكني لا أستحب صيدها إلا وهي في الهواء، لأن لذة الصيد في إصابة الهدف على هذا المنوال. ومن أحب الرياضات إلى جلالته رقصة الحرب وهم مقبلون على الميدان، وهي رقصة مهيبة متزنة تثير العزائم وتحيى في النفوس حرارة الإيمان، ويتفق أحياناً أن يستمع جلالته إلى أناشيدها ويرى الفرسان وهم يرقصونها، فتهزه الأريحية ويستعيد ذكرى الوقائع والغزوات فينهض من مجلسه ويزحزح عقاله، ويتناول السيف وينزل إلى الحلبة مع الفرسان، فترتفع حماستهم حين ينظرون إلى جلالته في وسطهم طباقاً فوق طباق.
وبفضل هذه الرياضات وأمثالها ـ مع انتظام المعيشة ـ يحتفظ جلالته بقوة البنية التي أنعم الله بها عليه، فهو لا يزال بها في حمية الشباب.
الإدارة العامة للرياضة.. أول جهاز حكومي

وفى عام 1373هـ (1953م) أصدر الأمير عبد الله الفيصل وزير الداخلية آنذاك قراراً بإنشاء الإدارة العامة للرياضة البدنية والكشفية، وعين عبد الحق مال مديراً على هذا الجهاز. ومن المهام الأولى التي قامت بها الإدارة العامة للرياضة البدنية والكشافة هو وضع أول نظام للحركة الرياضية والكشفية في المملكة، وقام هذا النظام بتنظيم العلاقة بين الأندية والجهاز الحكومي الجديد، كما كان من أوائل مهام الإدارة العامة للشئون الرياضية إنشاء اللجنة الرياضية (الاتحاد السعودي لكرة القدم) في يوم الأربعاء 26 رمضان 1374هـ (18مايو1955م) وتقدمت الإدارة العامة للرياضة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بطلب الانضمام إلى العضوية في الفيفا، كما قامت الإدارة الرياضية بتنفيذ بطولة الدوري السعودي العام على كأس الملك وبطولة دوري الكأس على كأس ولي العهد المعظم.