جماهير السامبا فاكهة الأولمبياد
17 يوما فقط كانت كفيلة بالتأكيد على الدور الهائل الذي يمكن للرياضة أن تلعبه في حل أصعب المشاكل والأزمات وقدرتها على تخفيف وطأة الظروف والضغوط في أي وقت وزمان.
يسدل الستار غدا الأحد على فعاليات واحدة من أكثر الدورات الأولمبية إثارة للجدل وتعرضا للتهديدات والمخاوف، حيث يشهد استاد "ماراكانا" الأسطوري غدا الحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية الحادية والثلاثين (ريو دي جانيرو 2016).
وقبل ثلاثة أسابيع فقط، كانت المخاوف في ذروتها وسط الأجواء الغاضبة التي سبقت فعاليات هذه الدورة حيث المظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية ضد استضافة الأولمبياد.
وكانت الجماهير البرازيلية كشفت عن غضبها قبل فعاليات بطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل ثم جددت احتجاجاتها قبل أولمبياد 2016 حيث رأت الجماهير أن الحكومة البرازيلية أنفقت مليارات الدولارات على استضافة الحدثين وكان الأحرى بها توجيه هذه المليارات لتطوير قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم والنقل.
وظلت المظاهرات في الشوارع والاحتجاجات والإضرابات في قطاعات مهمة مثل المستشفيات والجامعات والمطارات تضرب البرازيل حتى قبل انطلاق حفل الافتتاح مباشرة.
وأثارت هذه الاحتجاجات والإضرابات مخاوف عديدة خاصة لدى مسؤولي اللجنة الأولمبية الدولية والوفود المشاركة في الدورة خشية تأثير هذه الأحداث على سير الدورة مثلما أثرت من قبل على الاستعدادات الخاصة بالاستضافة.
ولكن عشق البرازيليين للرياضة طغى على صوت هذه الاحتجاجات حيث تلاشت معظم الاحتجاجات والإضرابات بمجرد دوران عجلة الأولمبياد.
وبدلا من الهتافات الجماهيرية ضد حكومة الرئيسة البرازيلية الموقوفة ديلما روسيف ونائبها ميشال تامر القائم بأعمالها، كان الصوت الأعلى لتشجيع الجماهير وصافرات الحكام واحتفالات اللاعبين من مختلف الجنسيات مع كل فوز يحرزونه أو ميدالية يحصدونها.
ورغم كل الانتصارات التي شهدتها الدورة الأولمبية والميداليات التي وزعت خلالها، تظل الجماهير البرازيلية هي البطل الأول لهذه الدورة وهي البطل الذي يستحق الميدالية الماسية.
ومع كل المشاكل التنظيمية التي شهدتها هذه الدورة بسبب التأخير في الانشاءات والاستعدادات أو عملية التقشف في العديد من وجوه التنظيم بما في هذا حفل الافتتاح، كان للجماهير دور بارز في أن تخرج الدورة بحلة براقة اختفت معها العديد من المشاكل وأوجه القصور.
وعاب الجماهير البرازيلية الاستمرار في سياسة صافرات الاستهجان التي تتبعها مع المنافسين لمنتخباتها ولاعبيها أو كذلك التي تتبعها مع بعض المنتخبات واللاعبين من جنسيات تتسم بالتنافس الشديد من بلاد السامبا وفي مقدمتها الأرجنتين، حتى ذكرت بعض التقارير أن الجماهير البرازيلية تستحق الميدالية الذهبية في هتافات وصافرات الاستهجان لأنها الأفضل في العالم تطبيقا لهذه السياسة.
والحقيقة أن الجماهير البرازيلية لم تتعمد إهانة أو استفزاز البعثات أو الجماهير المنافسة وإنما تعود هذه العادات في التشجيع إلى ثقافة جماهير السامبا في المدرجات خاصة في مباريات كرة القدم والتي تسللت تدريجيا إلى باقي الرياضات حتى أصبحت صافرات الاستهجان حقيقة ملموسة وواقعا عمليا في تشجيع جماهير السامبا.
وظهرت هذه الثقافة منذ اللحظات الأولى في فعاليات هذه الدورة الأولمبية وبالتحديد في حفل الافتتاح الذي شهد هتافات وصافرات استهجان من الجماهير البرازيلية ضد بعض البعثات ومنها البعثة الأرجنتينية، إضافة لصافرات الاستهجان ضد ميشال تامر القائم بأعمال رئيسة البرازيل الموقوفة.
واستمرت هذه الثقافة في معظم المنافسات التي شهدتها الدورة الحالية لكن هذا لم يؤثر كثيرا على رونق المدرجات خاصة مع الحماس الهائل الذي أظهرته جماهير البرازيل في تشجيع فرقها ولاعبيها من ناحية وتشجيع المنتخبات واللاعبين المنافسين لهذه الجنسيات التي تتسم بالتشجيع العدائي في مواجهة بلاد السامبا.
وكان لتميمة الدورة دور كبير في إلهاب حماس الجماهير خلال فعاليات هذه الدورة الأولمبية مع الفاصل الاستعراضي الذي تقوم به التميمة في معظم الملاعب خاصة تلك التي استضافت منافسات الألعاب الجماعية.
كما كان للرقصات الفلكلورية والفقرات الاستعراضية التي قامت بها بعض فرق الفنون في مختلف الملاعب دور في ظهور المدرجات بأفضل شكل لها حيث كانت فترات الراحة بين المباريات أو الأشواط المختلفة بمثابة كرنفالات ومهرجانات استعراضية يشارك فيها المشجعون وكذلك القائمين على الإذاعة الداخلية في مختلف الملاعب.
ولم تخل المدرجات في مختلف الملاعب من محاولات برازيلية لنقل بعض تقاليد التشجيع من بلدان أخرى مثل أمواج البحر التي تشتهر بها الملاعب الإيطالية.
وهكذا فرضت الجماهير البرازيلية نفسها بطلا متوجا لهذه الدورة الأولمبية بعدما لجأت لتنحية المشاكل جانبا مع انطلاق فعاليات الدورة وانخرطت في هذا المهرجان الرياضي وأمتعت الضيوف بالكرنفالات البراقة في المدرجات وبالتشجيع الحماسي لرياضييها.