رأسية ماجد .. لدغة سامي .. وإلغاء هدف النعيمة
التاريخ يمكن اختصاره بسهولة.. رغم كل تشعباته وتفريعاته وحكاياته الطويلة وتفاصيله الصغيرة.. يمكن إيجازه بمشاهد تعد على أصابع اليد الواحدة.. ويمكن تناوله من زوايا محدودة.. يلتقي السعوديون اليوم مع ضيفهم الإماراتي الأبيض في قمة خليجية ملتهبة لهثاً وراء الحلم العالمي وقطع خطوة جديدة على طريق الوصول إلى العاصمة الروسية الباردة موسكو والتي ستفتح ذراعيها لاحتضان أهم وأكبر وأبرز وأقوى مسابقة كروية دولية عام 2018 باستقبالها لكأس العالم والمتنافسين عليها.
واجه الأخضر السعودي نظيره الإماراتي عشرات المرات في مناسبات متعددة لكن هناك (10) مشاهد ربما تكون هي الأكثر التصاقاً بذاكرة المشجع السعودي في معركة الذكريات الصامدة.. أمام متغيرات الزمن.. أهداف وبطاقات وأفراح لا تنسى هي التي جعلت منها (10) مشاهد تستحق البقاء حتى حين.
1
بحث المنتخب السعودي طويلاً عن التأهل لأول مرة في تاريخه إلى المونديال ولم يكن قريباً من تحويل الحلم إلى حقيقة على أرض الواقع أكثر من عام 1990 .. حينها كان الأخضر متسيداً المشهد الكروي في القارة الآسيوية وحامل لقبها منذ العام 1984 وكان ذلك الجيل في قمة توهجه ونضوجه، فقبل عامين فقط من انطلاق التصفيات سجل نفسه مجدداً بطلاً لاسيما في الدوحة وانتزع اللقب أمام الكوري الجنوبي بضربات الترجيح..
ذهب إلى سنغافورة التي استضافت التصفيات بطريقة التجمع والمواجهات من دور واحد محملاً بالترشيحات لخطف واحدة من البطاقتين اللتين منحهما (فيفا) للآسيويين تلك الأيام.. استطاع السعودي التحصل على 4 نقاط فقط، لكن تلك التصفيات تركت في الذاكرة السعودية مناظر عديدة يأتي في مطلعها مشهد الأسطورة ماجد عبدالله وهو يرقب باستغراب الحكم الأمريكي فانيست مورد مشهراً البطاقة الحمراء في وجهه أمام الإمارات خلال وقت عصيب من عمر اللقاء ليكون طرد ماجد حدثاً تاريخياً لا يمكن تجاوزه بسهولة.
2
عودة للوراء أكثر.. العام 1983 تستقبل السعودية الإمارات في ملعب الملز بالرياض.. المدرجات مكتظة بالحضور.. كانت المباراة ذهاباً والإياب في أبوظبي بعدها بأسبوع.. المواجهة هي الخطوة الأولى في طريق البحث عن الصعود إلى مونديال 1986 الذي احتضنته المكسيك ويعرف بمونديال مارادونا..
الأخضر السعودي قدم مباراة هجومية وضغط بشراسة على المرمى طوال اللقاء.. الدقائق تمر أسرع من البرق والأحداث تتوالى بطريقة دراماتيكية.. يبحث السعوديون عن هدف يتوكأون عليه في الإياب الحاسم.. يطلق الحكم صافرته لضربة مباشرة على رأس منطقة الجزاء.. يتقدم القائد صالح النعيمة ويضعها في الزاوية فتنتفض المدرجات وتتنفس الصعداء وتتذوق الفرح لولا أن الحكم الأردني محمد السكران كان له رأي آخر فأعلن إلغاء الهدف الذي جاء في الدقيقة القاتلة ولو تم احتسابه لربما تقدم صعود المنتخب السعودي للمونديال سنوات كثيرة.. ألغى الهدف بطريقة مثيرة للجدل.. وألغى الفرح وأبقى تلك الحادثة في أعماق الذاكرة.
3
يحتضن ملعب الملك فهد الدولي بالرياض كأس الخليج التاسعة عام 1989 كحدث مرتقب لأسباب عديدة.. أولها أن ملعب الملك فهد الدولي سيكون مسرحاً للمنافسة الخليجية، فالملعب الوليد الذي أذهل المتابعين بتصميمه وأناقته من شأنه أن يكون شاهداً على أول صراع خليجي في ملعب بكل تلك الروعة والإمكانيات... والسبب الثاني هو الأمل السعودي أن ينتزع الأخضر اللقب لأول مرة.. في مباراته الثانية يخوض الأخضر مواجهة عاصفة مع الإماراتيين.. يتقدم الأبيض بثنائية زهير بخيت في وقت مبكر.. الأوراق تتداخل وأوضاع السعوديين تتعقد.. في منتصف الشوط الثاني يقلص عبدالله غراب النتيجة.. يضغط الأخضر ويحاول جاهداً تسجيل التعديل.. يتحصل على ضربة زاوية ترسل داخل المنطقة ويبعدها الدفاع.. تعود ليوسف جازع فيجتاز مدافعا إماراتيا ويرسلها بين غابة من المدافعين.. يسددها غراب غرب المرمى.. ماجد هناك.. الكرة مرتفعة قرابة المتر الواحد عن الأرض.. يحاول مدافع إماراتي إبعادها بقدمه.. يتدخل ماجد بهامته فيلدغها.. وتنطلق كصاروخ أرض جو وتستقر في أعلى الزاوية ويعيش الجمهور فرحة ستجعل من هذا الهدف حدثاً خاصاً ومنفرداً في مباريات السعودية والإمارات.
4
عاد الأخضر السعودي من مونديال أمريكا 94 محملاً بسمعة كروية دولية مبهرة بعد تجاوزه دور المجموعات هناك وتسجيل نتائج إيجابية قوية.. وكانت تنتظره كأس الخليج هذه البطولة العصية.. ذهب السعودي إلى مسقط ومن المباراة الأولى اتضحت الرغبة الكبيرة بتجاوز هذه العقبة التي ظلت سداً منيعاً أمام السعوديين رغم عشرات المحاولات اليائسة.. يلتقي الأخضر بالإمارات ويرسل خالد مسعد كرة زاحفة من وسط الملعب باتجاه منطقة سامي الجابر يترقب.. لم يحتاج أكثر من لدغة قاتلة ليرسل الكرة في الزاوية المعاكسة لتستقر في شباك محسن مصبح هدفاً سعودياً ثم يكمل الأخضر مشواره حتى أصبح بطلاً لأول مرة.
5
يلقبه الإماراتيون بالفهد الأسمر.. ذاك هو فهد خميس الذي أزاح السعودي الأخضر من تصفيات كأس العالم 1986 برأسية قاسية.. هدف إماراتي ظل يسكن الذاكرة السعودية طويلا.. الحلم المونديالي أجهض في ذاك العام سريعاً جداً.. تحصل فهد خميس على ضربة غير مباشرة.. سددها أحد اللاعبين وأرسلها داخل منطقة الجزاء وطار لها خميس وسط غابة من الرؤوس وحولها إلى وسط المرمى بطريقة تحويل الاتجاه لم يستطع عبدالله الدعيع حرمانها من معانقة الشباك ليبقى منظراً جارحاً في قلوب عشاق الأخضر الكثر.
6
يلتقي السعودي والإماراتي في نهائي كأس آسيا 96 في أبوظبي.. الإمارات تمني النفس بدخول قائمة أبطال القارة خاصة والبطولة تقام على أرضها وبين جماهيرها.. تستمر المباراة سجالاً كتلك الحروب التي لا يعرف لها نهاية.. هجوم حذر ودفاع يقظ ولم تكن بوادر أهداف تلوح في الأفق القريب.. المواجهة تلفظ أنفاسها باتجاه التمديد للأشواط الإضافية.. هجمة إماراتية مباغتة يجد المهاجم الإماراتي التاريخي عدنان الطلياني نفسه وبلا مقدمات أمام المرمى الخالي وكان قاب قوسين أو أدنى لإهداء الإمارات ذاك اللقب لكن الحظ كشر في وجهه وابتسم لمحمد الدعيع والكرة تذهب بطريقة عجيبة خارج المرمى.. إنها أغلى وأغرب فرصة في تاريخ مواجهات الفريقين، وهذا ما سيجعلها شيئا لا يبرح الذاكرة.
7
كل الأشياء كانت توحي بأن لقب خليجي 18 سيذهب للإمارات.. الصخب الجماهيري والاهتمام الشعبي والإعداد الفني والبدني كلها اجتمعت في الكفة الإماراتية..
يلتقي السعودي بالإماراتي في دور الأربعة.. انتهى الوقت الأصلي.. دخلت المباراة في الدقائق الإضافية قبل أن يحتكم المنتخبان إلى الأشواط الإضافية لكن إسماعيل مطر رفض أن يعطي هذا اللقاء مجالاً آخر ووقتاً آخر.. تصله الكرة على رأس منطقة الجزاء يواجه أسامة هوساوي لكن مطر لا يريد حتى محاولة اجتياز الدفاع وإنما فضل التسديد وبالفعل تدحرجت بأسرع قدر ممكن وكان الحارس محمد خوجة عاجزاً تماماً عن إيقافها.. استقرت في المرمى هدفاً قاتلاً فتأهل الإمارات واقتنص اللقب أمام عمان.
8
يحتكم السعودي والإماراتي إلى ضربات الترجيح في نهائي آسيا 1996 ... لعبة الحظ والأعضاب والقلوب القوية.. يهدر الإماراتيون الضربة الأخيرة.. يتقدم خالد مسعد.. وإن سجلها حسم اللقب.. مسعد أنيق الكرة السعودية ويجب أن يسدد بكل أناقة وهذا ما حدث بالفعل.. واثق الخطى.. يتقدم إلى الضربة القاتلة والحاسمة ويسلمها آمنة مطمئنة للشباك ثم يجري بوجه مستغرب تملأه فرحة النصر.. كان مسعد يشير بيديه متسائلا هل انتهت المباراة وكأنه لا يدري أنه جالب الفرح والبطولة.
9
يشتد الحماس وتحتبس الأنفاس في نهائي آسيا 96 .. يتعرض عبدالغني للطرد والإبعاد في وقت عصيب من المباراة، فيضطر الأخضر السعودي لإكمال المباراة التاريخية بعشرة لاعبين قد لا يسعفهم الحظ والوقت لتخطي العقبة الصعبة.. أكمل السعوديون بعشرة لاعبين ووصلوا إلى الترجيح .. وانتصر الأخضر فظل مشهد عبدالغني خارجاً من أرض الملعب آخذاً مكاناً واسعاً في الذاكرة.
10
يستلم أحمد الفريدي الكرة في زاوية الملعب ويمشي وكأنه وحده في الملعب.. اتجه عرضاً.. من يشاهده لأول وهلة يعتقد أنه في تدريب وليس في مباراة ضمن منافسات التأهل لكأس العالم 2010 .. يدخل منطقة الجزاء وما زال يسير بنفس الاتجاه.. لا يتلفت للمرمى.. وحينما حانت لحظة الحقيقة لكز الكرة باتجاه المرمى بكل وداعة.. كأنه كان يودعها وداع المحبين.. تذهب تلك الكرة مضيعة إلى المرمى هدفاً سعودياً فريداً من نوعه.