حادثة ميونيخ المأساوية لا تزال الهزيمة الأكبر في تاريخ مانشستر يونايتد
ظل المأساة يلاحق الشياطين الحمر بعد 60 عاما
منيت كرة القدم في تاريخ 6 فبراير من العام 1958 بخسارة قاسية في مباراة لم تحمل معها طرفاً فائزاً. هذه المباراة لم تدر بين مدرجات صاخبة في ملعب ما كما جرت العادة، فهي أقيمت على أحد مدرجات مطار رايم في مدينة ميونيخ الألمانية، وكانت الذكرى الأخيرة لمجموعة من ألمع نجوم خمسينيات القرن الماضي بعد حادثة مأساوية ذهب ضحيتها 9 من لاعبي مانشستر يونايتد بعد ساعات من تأهل الفريق الإنجليزي إلى المربع الذهبي لدوري الأبطال.
ويصادف اليوم ذكرى مرور 60 عاماً على هذه الحادثة التي استخدمت حبر الدموع لكتابة صفحة حزينة في كتاب التاريخ الكروي، لكنها أبت أن تبقى في إطارها الأسود القاتم لتقدم على مدار الأعوام الطويلة الماضية دروساً من إنسانية كرة القدم، وتمنح الشياطين الحمر فسحة أمل لرسم نقطة بداية جديدة تكريماً لمن ارتدى القميص الأحمر وفارق الحياة وهو يدافع عن ألوان الفريق.
قبل الحادثة
قبل الحادثة
أصبح مانشستر يونايتد أول من يمثّل الكرة الإنجليزية في المحافل القارية عندما شارك في دوري أبطال أوروبا في موسم 1956ـ1957، وتمكن الفريق الذي قاده المدرب مات بازبي من العبور نحو الدور نصف النهائي قبل السقوط أمام ريال مدريد بعد مشوار تألق فيه الثنائي طومي تيلور ودينيس فيوليت الذي تُوّج بلقب هداف البطولة. وفي الموسم التالي، سار اليونايتد بخطى ثابتة نحو المنافسة بشكل أكبر على اللقب، ونجح في تجاوز شامروك روفرز الإيرلندي ودوكلا براج التشيكي ليضرب موعداً مع ردستار بلجراد اليوغوسلافي في دور الثمانية. وحسم فريق الشياطين الحمر موقعة الذهاب بهدفين سجلهما بوبي تشارلتون وإيدي كولمان مقابل هدف وحيد للفريق الزائر، قبل أن يفرض اليونايتد نتيجة التعادل 3ـ3 على مضيفه في مباراة الإياب التي أقيمت في العاصمة اليوغوسلافية بلجراد مساء الخامس من فبراير من العام 1958، ليضمن تأهله إلى المربع الذهبي للموسم الثاني على التوالي.
الرحلة المشؤومة
استقلت بعثة الشياطين الحمر في 6 فبراير طائرة من طراز “إيرسبيد أمباسادور” للخطوط البريطانية الأوروبية في طريق العودة من مطار بلجراد، وكان على متنها 44 شخصاً بين لاعبين ومدربين وصحفيين وأفراد طاقم الطائرة. ووصلت الطائرة إلى مطار ميونيخ رايم في ألمانيا الغربية لتعبئة الوقود عند الساعة 1:15 ظهراً بتوقيت جرينيتش، تمهيداً لرحلتها الأخيرة إلى مطار مانشستر. ومنح برج المراقبة قائد الطائرة جيمز ثاين أمراً بالإقلاع عند الساعة 2:19، لكن الأخير قرر تأجيل الإقلاع لارتفاع الضغط في محرك طائرته. وحصل ثاين على الضوء الأخضر للإقلاع مرة أخرى عند الساعة 3:03، لكن مهمته لم تتكلل بالنجاح بعدما فشلت الطائرة في الوصول إلى السرعة القصوى اللازمة للإقلاع نظراً لتراكم الطين والثلوج على المدرج، حيث اصطدمت الطائرة بسياج المدرج واتجهت نحو طريق محاذٍ له قبل اصطدام جناجها بأحد المنازل القريبة، وقد أدّت هذه الأمور لاندلاع النيران قبل وقوع انفجار في المقصورة.
الخسارة الأكبر
أدّت حادثة الطائرة لسقوط 20 ضحية فور اصطدامها، ومن بينهم 7 من لاعبي مانشستر يونايتد، قبل أن يفارق فرانك سويفت الإعلامي في صحيقة “نيوز أوف ذا وورلد” الحياة أثناء نقله إلى المستشفى. وتُوفّي النجم الصاعد دانكن إدواردز في 21 فبراير متأثراً بجراحه في مستشفى ريختس إيسار في ميونيخ، وارتفعت المحصلة الإجمالية من الخسائر البشرية إلى 23 ضحية في 11 مارس عندما فارق كينيث ريمينت، مساعد قائد الطائرة، متأثراً بالإصابات البالغة التي تعرض لها في رأسه. وتكفّلت هذه الحادثة بإنهاء مسيرة كل من جوني بيري وجاكي بلانشفلاور بسبب الإصابات التي منعتهما من العودة إلى الملاعب، كما بقي المدرب الأسطوري مات بازبي في المستشفى لأكثر من شهريْن، قبل أن يتعافى في بلدة إنترلاكن السويسرية ويخرج من إحباطه بدعمٍ مستمر من زوجته.
فسحة أمل
حقق مانشستر يونايتد فوزاً وحيداً فيما تبقى من مباريات الدوري الإنجليزي في موسم 1957ـ1958 بعد الحادثة، وتراجع إلى المركز التاسع في ترتيب الدوري عند نهاية المطاف بعدما كان منافساً على اللقب، كما سقط برباعية نظيفة أمام ميلان في إياب الدور نصف النهائي لدوري الأبطال، إلى أن عاد مات بازبي لاستلام مهامه في الإدارة الفنية مع بداية الموسم التالي، ليبدأ في مهمة بناء جيل جديد. وتعاقد اليونايتد تحت إدارة بازبي مع نجوم بارزين في السنوات التالية مثل دينيس لو عام 1962، وجورج بست عام 1963، وجون أستون عام 1965، ونجح عام 1968 في تحقيق لقبه الأول في دوري الأبطال بعد فوزه على بنفيكا البرتغالي بنتيجة 4ـ1 في المباراة النهائية التي أقيمت على ملعب ويمبلي. وحملت تشكيلة اليونايتد حينها لاعبيْن فقط من الذين وُجدوا على الطائرة المشؤومة قبل 10 أعوام، وهما المدافع بيل فولكس والمهاجم بوبي تشارلتون الذي سجل هدفيْن في النهائي.