ذا بوست.. فيلم أعاد كبرياء الصحافة
بدأت دور السينما حول العالم يناير الماضي في عرض فيلمٍ، أعاد إلى الذاكرة إحدى أبرز المحطات في تاريخ الصحافة الأمريكية، حيث تشهد صناديق التذاكر نجاحًا مميزًا للفيلم الأمريكي "ذا بوست"، الذي يسرد قصة الخطوات التي اتَّخذتها صحيفة "ذا واشنطن بوست" في الطريق نحو نشر وثائق البنتاجون السرية حول تورُّط الحكومة الأمريكية لمدة 30 عامًا في حرب فيتنام، وما نتج عن ذلك من تحركات قضائية، وزخم شعبي، سبق تحقيق الصحيفة انتصارًا في معركتها الشاقة مع البيت الأبيض.
وحقَّق الفيلم حتى يومنا هذا أرباحًا تجاوزت 100 مليون دولار، نظرًا لتسليطه الضوء على قصة حقيقية، شغلت المجتمع الأمريكي مطلع السبعينيات، وأثبتت قدرة الصحافة الحرة على تغيير المسارات في أصعب القضايا، والوقوف عند شخصيات صحفية بارزة، أدى أدوارها مجموعة من الأسماء الهوليوودية اللامعة، مثل ميريل ستريب، وتوم هانكس، بلمسات من ستيفن سبيلبيرج، المخرج المتألق.
ويعود "ذا بوست" إلى دانييل إلسبيرج، المحلل العسكري، الذي غطى ما يحدث في حرب فيتنام لمدة عامين في الستينيات، ليكتشف تناقض الآراء حول الضلوع في هذه الحرب لدى عودته إلى الديار، لا سيما لدى روبرت ماكمانارا، وزير الدفاع، الذي كان يعبِّر عن استيائه في الاجتماعات السرية الداخلية مقابل التعبير عن ارتياح عارم أمام العامة. ونسخ إلسبيرج تقارير حكومية في غاية السرية حول التورط الطويل للحكومة الأمريكية في حرب فيتنام قبل أن يسرِّبها إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، وإلى الصحفي بين باجديكيان في صحيفة "ذا واشنطن بوست"، الذي تلقَّى تهديدات مباشرة من مكتب ريتشارد نيكسون، الرئيس الأمريكي، قبيل نشرها.
ويتوقف الفيلم عند الاجتماع المغلق الذي دار بين كاثرين جراهام، مالكة "ذا واشنطن بوست"، "أدَّت دورها ميريل ستريب"، وبين برادلي، رئيس التحرير "توم هانكس"، وغيرهما من نخبة الصحفيين في مكاتب الصحيفة لدراسة نشر هذه المعلومات السرية من عدمه، علمًا أنهم واجهوا تنبيهات صارمة من محامين حول الآثار القضائية المحتملة التي قد تتعرض إليها الصحيفة من قِبل الحكومة الأمريكية. ووقفت المالكة جراهام أمام خيارين في حالة نشر التقارير، الأول تدمير الصحيفة العريقة إذا ما وقعت في فخ التهم القضائية، والثاني تحويل "ذا واشنطن بوست" إلى إحدى أكثر الصحف أهمية في الولايات المتحدة والعالم، لذا قررت جراهام نشر التقارير.ووصلت تقارير البنتاجون للمرة الأولى إلى العامة على غلاف لصحيفة "التايمز" عام 1971، إلى أن أزيلت السرية بشكل كامل عن سائر التقارير في يونيو 2011. وفتحت هذه القضية معركة طويلة بين الصحيفتين من جهة، والحكومة الأمريكية والبيت الأبيض من جهة أخرى، حيث تم استدعاء ممثلي الصحيفتين للمثول أمام المحكمة العليا، في الوقت الذي نشرت فيه صحف أخرى التقارير نفسها تضامنًا مع "التايمز" والـ "بوست"، إلى أن برَّأت المحكمة جراهام والصحيفتين بعدما قام ستة من أصل تسعة بالتصويت ضد الحكومة الأمريكية.
وحصل فيلم "ذا بوست" على تقييمات مرتفعة من أبرز المواقع المعنية بتقييم الأفلام السينمائية، حيث حصل على نسبة قبول وصلت إلى 88 في المئة لدى موقع "روتن توميتوز"، مقابل 83 في المئة في موقع "ميتاكريتك". وحصل الفيلم على ترشيحين في حفل جوائز الأوسكار المقرَّر إقامته في 4 مارس المقبل في فئة أفضل ممثلة لميريل ستريب، وأفضل صورة للثلاثي إيمي باسكال، وستيفن سبيلبيرج، وكريستي كرايجر، كما حصل على مجموعة كبيرة من الجوائز في الاحتفالات السينمائية العالمية الأخرى.