|


السعودية والعراق.. تحت ظلال النخيل

البصرة ـ عبدالرحمن مشبب 2018.02.28 | 04:48 am

القريب من العين قريب من القلب.. هذا حال السعوديين مع العراق وأرضها وتاريخها.. لا أحد يشبه السعوديين من خارج محيطهم الخليجي أكثر من أهل الرافدين.. وليست هناك أرض أقرب لحدود بلاد الحرمين من منبع دجلة والفرات.. أشياء كثيرة تجمع السعودية والعراق.. عشرات القبائل العربية العريقة والأصيلة تتوزع بين البلدين العملاقين.. في مناطق عراقية كثيرة يرتدي أهلها الشماغ والعقال والثياب.

 ذات الزي السعودي مع اختلاف طفيف في التفاصيل.. طبائع أهل البادية هنا وهناك أيضًا تتشابه إلى حد التوحد والاستنساخ.. هناك رابط متجذر على الأرض.. النخيل الشامخات الباسقات.. تحتضن أرض العراق، ملايين النخيل تتوزع بكل شموخ وكبرياء على خارطتها.. يتخذ السعوديون من النخلة والسيفين شعارًا ورمزًا تاريخيًّا لوطنهم.. النخلة علامة مضيئة وواضحة للعطاء والكرم والخير والارتقاء.. ظروف وأحداث سياسية طواها الزمن باعدت بين قلوب أهالي الرياض والبغداديين.. يفرض الواقع نفسه وتعود المياه إلى مجاريها.. عراق العروبة يخطو مسرعًا إلى حضن العرب.. وليس هناك حضن عربي أدفأ وأوسع وأأمن من أحضان المملكة العربية السعودية.. 

تلعب كرة القدم أدوارًا تفوق ما يتخيله متابعوها وعشاقها.. لا شيء أكثر من هذه اللعبة الشعبية التي توصم بالأولى يملك أسلحة تنتصر على الواقع وعلى التاريخ وعلى الجغرافيا.. قرر السعوديون استباق كل الخطوات البطيئة.. في عز احتفالهم بتأهلهم إلى كأس العالم للمرة الخامسة أعلن رئيس رياضتهم المستشار تركي آل الشيخ لعب مواجهة ودية أمام العراق وفي أرض العراق.. كانت كلمة مقتضبة.. لم يحتفل بالإنجاز ويستعرض الفوز والانتصار.. رحب بحضور الحفل وتعهد بأن يذهب منتخب بلاده إلى العراق الكبير ليسجل حضورًا دوليًّا يكسر كل حواجز وقرارات مصابة بالارتجاف لخوض مباراة ودية هناك.. احتفل السعوديون تلك الليلة بنجومهم العابرين العائدين إلى المونديال العالمي بحضور جوقة من أشهر وألمع من لعب كرة القدم عبر التاريخ.. في ذات الوقت كان صدى إعلان الاعتزام برحلة العراق يجد دويًّا في قلوب السعوديين الذين يعرفون معنى وقيمة وأهمية العراق دولة وشعبًا.. دولة كانت تنتج نجومًا في كرة القدم والفن والكتابة والموسيقى وكل معالم الحياة، كما ينتج نخيلها المليوني رطبًا جنيًّا... يحل السعودي الأخضر صاحب الصيت الكروي في محيطه الإقليمي ضيفًا على أحبائه العراقيين في أقاصي جنوب العراق.. مبكرًا أعلن أهالي البصرة الإعداد والاستعداد للحدث التاريخي الاستثنائي.. أطلقوا هاشتاقًا على سطح الطائر الأزرق مرحبين ومنتظرين.. قالوا فيه "دارك يا الأخضر".. ازدحم تويتر بآلاف الرسائل بلهجات أهالي العراق.. كل قرية وكل مدينة عراقية روى سكانها ما تكنه قلوبهم وأفئدتهم من حب ومعزة لأهل مملكة الخير والحب والإنسانية.. حفلة كبيرة من تبادل مشاعر أخوية صادقة.. يحط الأخضر رحاله وأقدامه اليوم في أرض الملاعب العراقية.. وفد إعلامي كبير.. ترقب جماهيري.. يسمي أهل البصرة ملعبهم التحفة "جذع النخلة".. تقرب كرة القدم مسافة لم تنقطع أساسًا.. كانت أقرب من الوريد إلى الوريد.. إنها عودة الغائب الكبير.. داخل جذع النخلة تلتقي أعين أهالي النخيل.. يتمايز السعوديون والعراقيون عن سواهم ممن على كوكب الأرض بهذا النخيل.. سيكون لقاءً لا ألذ ولا أشهى منه.. تنتظره الأعين لتشبع من حلاوته ومذاقه.. إنه لقاء النخيل والتمر والسكري والقلوب التي تجمعها الجغرافيا والعروبة الضاربة في أعماق التاريخ.. قبل هذا وذاك يجمعها النخيل.. يجمعها في جذع النخلة.. ويا لها من مصادفة.