الدعوة إلى الله مهمة عظيمة ومقدسة وليست أفضالها بحاجة إلى تعداد أو تذكير.. لها قواعدها وأساسياتها وأدبياتها وأخلاقياتها.. والله جلت قدرته يقول في الآية الخامسة والعشرين بعد المئة من سورة النحل (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ)..
ولو كنت مضطرًا لإهداء هذه الكلمات لأحد ما وجدت أفضل وأهم من الداعية المصري الدكتور مبروك عطية.. والأغلب أنه لن يقرأ ما أقوله وإذا قرأه لعله ينتفع به ويتوقف عنده؛ فهذه ليست نصيحة، وحاشى لله أن يأتي من مثلي وينصح من مثله، وإنما هي فقط رسالة تذكير والذكرى تنفع المؤمنين..
والدكتور عطية يملك سجلاً أكاديميًّا وعلميًّا ثريًّا وقدم للمكتبة الإسلامية قرابة العشرين مؤلفًا، ويتبوأ موقعًا قياديًّا في جامعة الأزهر ويحاضر في عدة جامعات أخرى من بينها جامعات سعودية.. ومع ذلك فإن الناس لا تعرف عن هذا الأستاذ الجامعي سوى تلك المقاطع التي تتدفق عبر قروبات الواتساب وتنقل إجاباته على المتصلين والمتصلات الغلابة وردوده الساخرة والقاسية والبعيدة عن الحد الأدنى من حدود التعامل الراقي والأدبي بين الناس الغرباء، حتى خيل لنا مرات كثيرة أن هذا الداعية الجليل ربما لم يقرأ مرة واحدة في حياته قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ).. وعشرات المرات التي نهر وصرخ وزجر فيها السيد مبروك سائلاً ومتصلاً يبحث عن إجابة فقهية تساعده على تبيان أمور دينه ودنياه..
والغريب أن مبروك عطية يظهر للمشاهدين عبر برنامجه الذي أسماه "الموعظة الحسنة"، فيما كلامه وتعاطيه مع السائلين لا يعرف الوعظ الحسن ولم يقترب منه خطوة واحدة، ثم إنه يمسك بوردة طوال الوقت والورد دليل الرقة والهدوء والحب والرومانسية، بينما إجاباته فجة وتصل في أحيان كثيرة إلى درجة الوقاحة والتجاوز الممجوج..
رسولنا وحبيبنا وقدوتنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ذكر التاريخ أنه أجاب إجابة واحدة على كل من سأله بشيء من الجفاء والتعنت.. حاشاه سيد الخلق، بل كان لينًا متواضعًا جم الأخلاق والأدب والردود.. وكان يؤمل من عطية والسائرين في ركابه بالذات أن يكون الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قدوتهم ومعلمهم ومنير دروبهم؛ لأنهم الأكثر وعيًا واطلاعًا من عامة الناس البسطاء.. تحول برنامج مبروك إلى حفلة من التهريج والنكات والاستظراف مكانها الطبيعي على خشبة مسرح هابط وليس في منبر ينشد فيه العوام علمًا وضوءًا يصحح أخطاءهم ويتخطى عقبات جهالتهم.. أجاب مرة على امرأة ارتكبت إثما وقال لها: "حتلاقي أبو لهب ينتظرك في جهنم".. كل شيء قد يقبل فيه الضحك والاستهزاء إلا دينًا أوجبه الله على خليقته؛ فهذا إنما تجاوز الخطوط الحمراء والسوداء وفوق البنفسجية.. حتى في أمور الدنيا لا يرتضي الناس أن تستهتر بهم وبأسئلتهم وبحياتهم وخصوصياتهم، ولا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم..
مؤكد أن عطية يعرف أن أغلب المتصلين مذنبون يبحثون عن إجابة تطمئنهم أو تدلهم على التوبة والعودة إلى طريق الصواب، فلما يعاملهم بكل ذاك المستوى من الاستحقار والتدني.. الأقرب ـ كما أعتقد ـ أنه وجد ولمس انعكاسًا مذهلاً لما يفعله في محيطه خاصة وهو يعيش وسط مجتمع يدمن النكتة والضحكة والفرفشة؛ فأراد عطية ركوب الموجة التي يطلبها الشارع من حوله.. كثيرون كما هو مبروك يسعون لتحويل المواعظ إلى أجواء ضاحكة بحجة أنهم يخاطبون الناس بعقلية هذا الزمن ويسايرون العصر، وهذه مصيبة وطامة كبرى، أما أنا فتكلمت عن مبروك لأنه أكثرهم شهادات وتعليمًا وأكثرهم أيضًا نكات تضحكنا من الخارج وتبكينا من الداخل..!!