كتبت هنا أمس عن كلمات ومفردات، يستخدمها اللاعبون والإداريون في غير محلها ومناسبتها، وقد أكون وصلت إلى استنتاج متعجل بأنهم يسوقونها ويتناقلونها من بعضهم بعضًا كما يفعل العداؤون في سباقات التتابع.. ووضعت عبارة «عدنا إلى مكاننا الطبيعي» نموذجًا، استندت إليه، وبرهانًا ودليلًا وحجة أمام مَن قد يظنني أتجنَّى على الأبرياء..
تتردَّد هذه العبارة كثيرًا في الأوساط الكروية إلى حد الاستهلاك والملل، رغم أن كل مَن يظنون أنهم فعلًا عادوا إلى مكانهم الطبيعي لمجرد الصعود والحضور بين الكبار عامًا أو عامين مصابون بالوهم والشكوك والدعاية الخادعة، وإلا مَن يصادق على كلام منسوبي فريق عاش قرابة النصف قرن متجولًا بين محطتَي الدرجتين الأولى والثانية، ثم تبتسم له الأيام ويجد نفسه يجاري عتاة الأضواء في موسم وحيد، ويتلقَّى أصناف الهزائم، ثم يعود أدراجه إلى مكان اعتاد عليه.. باستثناء الاتفاق ـ مع احترامي وتقديري وإجلالي لكل الأندية ورجالاتها وجماهيرها ـ إلا أن أحدًا من الذين هبطوا لا يحق له أن يتكلم عن مكانه الطبيعي.. الاتفاق فريق يملك تاريخًا يستحق الذكر والتذكير؛ فحقق الدوري كما يفعل الكبار في كل بقاع الأرض مرتين، وتزيَّنت خزائنه بنصف درزن من البطولات الخارجية، وقدَّم عشرات النجوم للمنتخب، وكان منافسًا شرسًا وقويًّا للأربعة الكبار على امتداد مسيرته، وما كان هبوطه إلا صدمة، أثارت تعاطف الرياضيين عن بكرة أبيهم..
وحينما هبط ثم صعد مرة أخرى حقَّ لمنسوبيه القول: إنهم عادوا إلى مكانهم الطبيعي. فلم يكن إطلاقًا يليق بذاك الفارس الشرقاوي سوى أن يكون عملاقًا ممشوق القامة بين أشباهه ونظرائه.. غير الاتفاق ربما يكون مكانهم الطبيعي هنا أو هناك.. لا يعني أن تصعد وتلعب بجانب الكبار، وتقدم موسمًا ناجحًا، ثم تهبط بعد سنتين، ثم تدعي بهتانًا أن مكانك الطبيعي مع المتنافسين تحت الضوء..
هذه مجرد أمانٍ والناس من حقها أن تحلم وتتمنى وتبتغي وتأمل، لكن أيضًا ليس من حقها الزعم والتوهم أن هذا هو المكان الطبيعي لها؛ مخالفة بذلك طبيعة الحياة والأشياء.. لو اهتز فريق مثل الهلال في أحد مواسمه وطالته الضربات وهبط.. أقول لو ـ وأختار الهلال ـ لأنه الفريق الأكثر حظوة وحضورًا بطوليًّا ومنافسة بين الكبار.. تخيَّلوا هبط الهلال ولعب بين أندية الدرجة الأولى، ثم أمضى موسمه سريعًا وعاد إلى دوري المحترفين.. في هذه الحالة أسيقول رئيسه ولاعبوه ومنسوبوه خلال أحاديثهم للتلفزيون والصحافة: “عدنا إلى مكاننا الطبيعي”؟.. لو حدث هذا وقالوا هذا فإن المشكلة ليست في الهلال ولا في الاتفاق.. المشكلة في المكان الطبيعي..!!