|


صالح الخليف
تصدق بكتاب
2018-05-26

 




ما من سلوك إنساني سائغ ومستساغ وشهي مثل العطاء.. وفي رحابه تبرز الصدقة التي يوليها ديننا الحنيف مكانة خاصة ومتميزة، لدرجة أن بني آدم إذا اقترب من نهاية حضوره وتواجده على هذه الأرض، ما تمنى شيئًا يفعله لو تأجل حتفه وموته وفناؤه مثل الصدقة، وذاك ما تشير إليه الآية العاشرة من سورة المنافقين، بقوله جلت قدرته: ﴿... رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.. والكلام عن الصدقة وأفضالها وطرائقها ومعانيها طويل وعميق ومتشعب، وليس له شبيه يمكننا عقد مقارنة عابرة معه.. 



وليست الصدقة هنا هي موضوعنا، وليت مثلها يكون موضوعنا في كل حين، ورحم الله هواننا وضعفنا وجعلنا ممن يحسب لهم ثواب وأجر المتصدقين.. أننا فقط نريد التطفل على ممر ضيق من أزقة ومسالك الصدقة المشرعة على كل الطرقات.. وهذا مجرد تنبيه أو تذكير لهواة وعشاق ومحبي الكتب واقتنائها وامتلاكها.. كثيرون من قراء الكتب لم يتواءموا مع مشاريع القراءة الطويلة على الأجهزة الحديثة، وهذا أمر يخص العالم كله.. في الغرب مثلاً لا تزال الكتب تبيع أعدادًا مليونية، ولا تزال المكتبات تضج بالمرتادين.. ما زالت القطارات والطيارات والمقاهي تزدحم بأولئك الممضين أوقاتهم وأعينهم تتسمر أمام الأوراق والأسطر والصفحات المطبوعة.. النسبة طبعًا أقل كثيرًا في العالم الثالث رغم ازدحامات معارض الكتب ومكاسبها ومبيعاتها المرتفعة كل عام.. ومن ثقب يبدو كأنه سم الخياط يمكن ربط المتنائيين.. الصدقة والكتاب.. الذين يحبون الكتب وتزين أرفف مكتبات منازلهم يعز عليهم التنازل عن أي كتاب منها.. 



يمكنهم التخلي عن قميص غالي الأثمان وساعة يد باهظة القيمة، لكن يضايقهم ويزعجهم أن يفقدوا كتابًا صغيرًا لا تتجاوز أوراقه الستين وثمنه دراهم معدودة ويكونوا فيه من الزاهدين.. إن لم تصدقوني فاسألوهم.. الروائي الراحل الخطير عبدالرحمن منيف له عبارة خالدة يقول فيها: "أحمق من يعير كتابًا.. أكثر حماقة من يستعير كتابًا ويعيده".. وغير بعيد عنه يذكر للأديب الإيرلندي التاريخي برناردو شو قوله هو الآخر: "لست مجنونًا لأعير أحد كتابًا.. 



فالجزء الأكبر من مكتبتي استعرته من الآخرين".. إنها عناوين عريضة تمنحك خارطة واضحة المعالم ماذا يعني الكتاب لمن يحبه ويشتريه ويبحث عنه.. البذل من طبائع البشر المبهرين، والكتب مخصصة ومولودة ليقرأها ويحتضنها أشخاص تملأ أرواحهم الأنوار وأشعة الشمس والضياء.. حينما يلتقي البحران ويلغيان ما بينهما من برزخ وحاجز تشع فكرة صغيرة لمشروع ناجح وأخاذ ومكتظ بالبهجة والسطوع.. 



هل تملك في بيتك مكتبة صغيرة كانت أم كبيرة؟.. هل تحب الكتب وتحب جمعها والاحتفاظ بها؟.. هل فكرت مرة واحدة يتيمة أن تتصدق بكتاب؟.. هل فكرت يومًا أن الصدقة ليست فقط ممكنة ومتاحة للملابس القديمة في خزائننا، بل حتى في الكتب التي فرغنا من قراءتها؟.. إذا كنت فكرت فاعذرني وسامحني على إضاعة وقتك في قراءة هذا الكلام الممل.. وإذا لم يسبق لهذه الفكرة أن جالت في عقلك وخيالك فالسؤال سيكون: هل لديك استعداد وقدرة وقوة واحتمال أن تفعلها وتتصدق بكتاب..؟