ـ التّعوّد آفَة!. إمّا أنْ يصيبنا بمَلَلٍ نفقد معه القدرة على الاستمتاع، وإمّا أنْ نُخْدَع، مُخَدَّرِينَ، بما نظنّه جَلَاءً، وسفورًا في بَيَانِ المسائل، غافلينَ، لا ندري أننا نَهْوِي من "جُرْف" الَّلَبْس إلى "دُحْدِيرَة" الطَّمْس!.
ـ كلّ تَعوّدٍ يعني أن الأمر صار قديمًا!. وكل مُتَعَوَّدٌ عليه، يأخذ نشاطه من تبلّده!، وقوّته من ضعفه!، وعزمه من وَهَنِه!، باختصار: يأخذ حياته من موته!.
ـ كلّما استحضرنا مفهومًا قديمًا، دُفِن في عبارةٍ قديمةٍ، تَكرّرتْ آلاف المرّات، عبارة تعوّدنا عليها، فإنْ ذلك يُشعرنا بطمأنينة!.
ـ ذلك لأنّ الموت، هذا الراعب المخيف، هذا الذي تُحارِبه غريزة كل كائن حيّ بمن في ذلك أشجع الشجعان، هذا الذي لا مثيل لحزنه متى ما تخطّف الأحبّة!، هذا الذي فيه كل هذه الصفات وأكثر، ما إن يَتقادم العهد بيننا وبينه حتى يصبح أكثر الأشياء مَدْعاةً للطمأنينة!.
ـ نُفكِّر في ضيق القبر لمن تم دفنهم حديثًا فقط!. ونتخيّل أنفسنا حين نصير إلى ما صاروا إليه: هم الآن.. ونحن قريبًا!، لكن الذين ماتوا قبل ألف سنة لا نشعر تجاههم بشيء، هم إن قدروا على حفر أسمائهم في ذاكرتنا، خَلَدُوا!. نتعامل معهم وكأنهم أحياء، بل أكثر: أحياء بلا نواقص تقريبًا، أو بهفوات ليست مؤذية!. الموت البعيد يمنحهم سُلْطَة!، ويمنحنا طمأنينةً!.
ـ حتى كتابات من تَقادم موتهم، تصير مقبولة، هذا ما لم تصبح أساسًا مُلزِمًا بالرجوع إليه!. يصيبنا شعور خفي بأن الميت لم يمت قبل أن يقول الأشياء كما يجب أن تُقال!.
ـ الرقيب نفسه، وهو المخلوق الحَذِر أكثر من اللازم دائمًا، الموهوب بالخوف والموهوم بالوصاية!، يتعامل مع كتابات من بَعُدَ العهد بينهم وبينه بتسامح عجيب الكرم!. التقادم يشعره بانتفاء الخطر!.
ـ راجع كثيرًا من كتب التراث، بما في ذلك التراث الشعبي، ستجد من الحكايات والمفردات ما لا يمكن لرقيبٍ تمريره، ومع ذلك يمرّره!.
ـ يصعب الحكم على شيءٍ بأنه "جديد" ما لمْ يكن فيه من الغموض شيء!. كلمة "فيه" ليست دقيقة تمامًا، إذ لا شيء غامضًا بذاته، الغموض فينا!.
ـ يُثير كل جديدٍ أمرين: احتجاجًا، وإزعاجًا!. وهو ما لم يفعل فإنه قديم، ومُتَعوَّدٌ عليه، مطروق ومسلوك آلاف المرّات، حتى لو كان سطرًا لم يجفّ حبر كتابته بعد!.