العالم كله يتخصص.. الحياة بطبيعتها وفرضياتها المتجددة أخذت من التخصص سلوكًا ومنهجًا.. وطريقًا لا إشارات توقف على جنباته.. هذا كلام مكرر ولم يعد يستحق الطرح بأي شكل وأي لون..
لكنه يقال بين حين وحين إذا أردنا الإشارة إلى تخصص لم يتنبه له أهله وأصحابه وذووه..
الصحافة الرياضية السعودية لا تتعاطى مع التخصص بشيء من الجدية والسرعة والاحتراف.. مئات الصحفيين متناثرون بين الصحف والمواقع والقنوات كما تتناثر القواقع والأصداف في قيعان البحار والمحيطات.. غالبيتهم يطاردون كرة القدم وأخبارها ونجومها ومستجداتها.. لا أحد بينهم متخصصًا في اللعبة وصحافتها..
أعرف أن صوتًا سيرد سريعًا وبحدة إن كرة القدم لعبة شعبية لا تحتاج إلى دراية ومعرفة؛ فما يفقهه ويعيه عنها مشجع بائس في قرية نائية على أطراف دولة أمريكية جنوبية فقيرة، ربما يكون بنفس وذات القدر الذي يدركه مدرب أوروبي محترف يقود أغلى نجوم الكرة على وجه الأرض.. قد يكون هذا صحيحًا ومقبولاً نظريًّا..
بالطبع المسافة بعيدة.. فكرة القدم عالم يضج بالأسرار والمعارف، وليس منطقيًّا تسفيهها أو تسطيحها لمجرد أن الناس تحبها وتعشقها في كل مكان.. أكثرية الصحفيين انغمسوا في متابعة اللعبة ليس حبًّا فيها وفي عوالمها، وإنما فقط خدمة لعشق ميولهم وفرقهم المفضلة.. هذا ليس عارًا وعيبًا وخطيئة، وإنما هو مثال حي للوصول إلى غاية القول والتأكيد على غياب التخصص.. كثير من الصحفيين الكرويين الحكواتية إنما هم مجرد محامين بلا شهادات معتمدة عن أنديتهم.. ليس للتخصص في لعبة كرة القدم أي علاقة بالأمر.. الطبيعي أن يكون الصحفي الرياضي الكروي ينظر إلى القضية من زاوية أرحب وأوسع.. توقف تخصصهم عند تاريخ أنديتهم التي يعشقونها كما هم المشجعون..
وهذا من حقهم ومن حق الصحافة عليهم أن يتركوا لها متسعًا لتقول إن أبناءها ليسوا مجرد مشجعين متورطين مع أهوائهم.. هذا العدد الكبير من الصحفيين الكرويين غير المتخصصين بقواعد وأسس وقوانين وتاريخ اللعبة، يكشف الخلل الذي يمكن التوقف عنده قبل إعادة النظر في كامل ما يراد الوصول إليه..
إنهم صحفيون بدرجة مشجعين.. هذا كل شيء.. كيف يمكن تفضيلهم أو تمييزهم عن مشجع يحب ناديه بتعصب وتطرف.. لا أحد يلومهم حينما تعتلي أصواتهم من أجل فرقهم الجماهيرية انتصارًا للحب والهوى وبحثًا عن اجتذاب العدد الأكبر من المناصرين والمريدين، واستعطافًا واستغلالاً لكسب وتأييد اصطفاف الجماهير.. هل يمكن أن نصدق أن البحث عن صحفي سعودي متخصص في لعبة كرة القدم مثلاً أمر صعب ومعقد.. هذه كارثة..!!
نتوقف.. والجمعة المقبل نواصل بقية المشكلة التي لا نملك حلولها.