لو كانت المسألة توقّعات وظنونًا، لصار كل محب للأدب أعظم أديب!. الحكاية أصعب بكثير، إذ يمكن إضافة الدراية التّامة بكل متطلبات العمل الأدبي، والحصول على نتيجة مخيّبة أيضًا!.
ـ أُقرّب الصورة: كل محبّي كرة القدم، يظنون في لحظة ما، أنهم أكثر فهمًا من مدرّب فريقهم، أو يلومون لاعبهم على الكيفيّة التي ضيّع بها الهجمة، تلك التي لم يكن أسهل منها في نظرهم!. غير أن الملايين "المُمَلْيَنَة" من هؤلاء، لن يتم قبولهم للعب في أصغر نادٍ فيما لو ركضوا حقًّا في ساحة ملعب كرة قدم!.
ـ أقرأ روايات كثيرة مملّة، بالكاد أقدر على تتمّة قراءة بعضها، أحدّث نفسي: أنا أكتب أحسن من هؤلاء بكثير!.
ـ المشكلة أنني أقول ذلك صادقًا مع نفسي، لا أحمل لهم جميعًا غير المحبة، وفي أسوأ الحالات لا أحمل ضغينةً ولا موقفًا سلبيًّا، كما أن شهرتهم لا تزعجني، وفجأة أتوقف، أدور على ذاتي، وأتحدث معها حديثًا آخر!.
ـ لقد التقيتُ بكثيرين ممّن لم يكتبوا قصيدة واحدة، لا جيّدة ولا رديئة، وأتذكّر جيّدًا ما كان يقوله بعضهم، إنه نفس الكلام الذي سبق لي أنْ قلته قبل قليل لنفسي!.
ـ يطرحون أسماءً بعضها جيّد وبعضها دون ذلك، ثم: "نحن فيما لو كتبنا شعرًا، نكتب أحسن من هذا بكثير"!، ونعم، كان في أحاديث بعضهم عن الشعر مفهوم ورؤية وعشق، أظن أنه يزيد عن بعض الأسماء التي طرحوها، ولكن!.
ـ طالما أنهم لم يكتبوا شعرًا، فليس لدى أي أحدٍ منهم، دليل واحد، على سلامة ظنّه بنفسه!.
ـ لقد كتبت الشعر وأدري كم هو صعب!. الكلمة تجرّ الكلمة إلى ما لا تدري إلى أين!، والقافية جلّابة الرعشة تقفز من المجهول، من ضمير الموسيقى!، والموضوع يذوب في مشاعر جديدة، والمشاعر الجديدة تكشف عن معانٍ لم تكن تخطر في البال، وهي بحاجة لكلمات دقيقة ودقّاقة!.
ـ لا شيء يتم قبل ألف احتراقٍ واحتراق، كما أنّ الشهوة، شهوة الكتابة يجب أن تظل متأجّجة ولَهَّابَة!. هي متى انطفأت، قل متى خَفتَتْ، خَرُبَ كل شيء!، أي محاولة للكتابة بعد ذلك ستكون باهتة ومُصطنعة وقليلة القيمة!.
ـ وفي الفن: كل قليل قيمةٍ، معدومها!.
ـ الظّنّ في الفنّ لا يكفي!. الإبحار شيء آخر، غير الرغبة في السفر، وغير حسابات القدرة عليه ونحن على اليابسة!.
ـ ثمّ إنّ الفن لا يبدأ بثقة المرء في قدرته بالتفوّق على من يظن أنه أفضل منهم، بل بثقته في القدرة على مجاراة من يراهم الأفضل، مجاراتهم وتجاوزهم!، تجاوزهم بكل شيء، أو على الأقل في جديدٍ يُقدّمه، مع ثقته المطلقة بمساواتهم في بقيّة الأمور!.