ـ بما أننا نحب الطرائف والنّكات، فنحن نحب الأدب!. هذا لا يعني أنّ الأدب نكتة، لكنه يلتزم بشروطها: الخيال والتكثيف والانسيابيّة والتصعيد والقفلة!. وشيء آخر مهم: الّلذَّة!.
ـ تخيّل أحدهم يقول "نُكْتَة"، حديث بين نملةٍ وفيل!، وبينكم من يستفسر: وهل الحيوانات تتكلّم؟!، كيف يمكن للفيل أن يسمع صوت النملة؟!. ألا تُخرِّب مثل هذه "الغلاسة" الأمر كله، وتفضّ الجلسة؟!. تفضّ أبوها!.
ـ يكشف رولان بارت معدن الأمر: ليس من شيءٍ أقتَلُ للّذَّة أكثر من سؤالٍ يستفسر عن موضوعها، الّلذّة ليست موضوعًا، إنها هي!.
ـ والفنون مثلها مثل "النُّكَات"، لا يبرأ أحدهما من النّظَرَات الزَّائغة!.
ـ الأدب مرتع النظرات الزائغة!. يُحرِّض عليها، يُقوّي عضلاتها، ويُدافع عن حقّها في الوجود، دفاعًا من بَعض عدله الانحياز!.
ـ الانحياز لمسامحة هذه النظرات الزائغة على ما يُعتبر خارج الأدب تلصّصًا، واقتحام غير قانوني لخصوصيّة الآخَرين!. باختصار على كل ما يعتبر خارج الأدب: قِلّة أدب!.
ـ مَرّةً، عرَّف يوسف إدريس "النُّكْتَة" على أنّها أقصر قِصّة قصيرة!. التقاطة بارعة!.
ـ دون أنْ يكون ذلك ردًّا على إدريس، قام نجيب محفوظ بتوضيح مهم. قال ما معناه: الرواية ليست "حدّوتة"!. يكفي "الحدّوتة" أنْ تحمل حدَثًا. فقيرة، اشترت ورقة يانصيب، كَسَبَتْ، صارت ثريّة!. هذه "حدّوتة"، لكنها ليست رواية. الرّواية "حدّوتة" أيضًا، لكنها تُحَمَّلُ بقيمة!. الحدث لا يكفي!.
ـ القيمة تأتي من رصدٍ نابِهٍ للانفعالات والمشاعر عبر التغيّرات في الواقع والشارع والنّفس. كما أنّ ما يمكن قبوله على أنه مجرّد "تغيّرات" في الواقع، لا يمكن إدخاله في عمل أدبي إلّا باعتباره "تطوّرات"!.
ـ واحدةً من الاتهامات التي وُجِّهَتْ لفلوبير في محاكمته على رواية "مدام بوفاري" كانت بسبب أنّه لم يترك بطلة الرواية تموت رغمًا عنها!.
ـ أغاظ الادّعاء أنّ مدام بوفاري اختارت موتها!. الطريقة والتوقيت!. هذا الذي أغاظ الادّعاء في المرافعة هو ذاته الذي طيَّب خاطر الأدب!.
ـ كان محامي الادّعاء يريد لموت البطلة أنْ يكون "تغيّرًا"، ربما ليتمكّن مصلح اجتماعي فيما بعد من اعتبار ذلك عقوبة إلهيّة!. لكن بطلة الرواية ماتت بقرار منها، نتيجة مشاعر متضاربة نَمَتْ من خلال الأحداث، كان موتها "تطوّرًا" للحدث لا تغيّرًا فيه!.