ـ فن الرواية عجيب، وفن الشعر أعجب!. كم أحبهما. في العَلن كتبتُ الشعر، وما زلت في السِّرّ أحاول في الرواية!.
ـ الرواية هي أنّ ما لَمْ يَحْدُث حَدَثَ!. الشعر هو أنّ ما حَدَثَ لم يحدث!. هي كذبة إذن، وهو كذلك!.
ـ فَرْق الكذبة الفنيّة عن غيرها من الكذب، أنها ليست بيضاء ومع ذلك هي طاهرة ونقيّة!.
ـ الفرق الأعلى قيمة، أنّها مُسَلِّيَة وممتعة بالضرورة!.
ـ الفرق الشاسع أنّ الكذب الفنّي، الذي هو المجاز والاستعارة والإدماج، يفعل ما يفعل، لا ليُنكِر حقيقةً ولا لِيُزَيّفها، لكن ليقول ما هو أبعد منها، يقتنص العميق الخالد المبثوث في كل نفسٍ بشريّة تقريبًا!.
ـ الكذب الفنّي يقول لك ما هو "أبعد من" الحقيقة، بينما يقول الكذب خارج الفن ما هو "أبعد عن" الحقيقة!. "مِن" و "عَن" كلاهما حرف جَرّ، لكن انظر كيف وإلى أين يجرّك كل حرفٍ منهما؟!.
ـ إذا كانت الرواية تحكي لك كيف "حدَث ما لم يحدث"، فإن الشعر يحكي لك كيف "لم يحدث ما حدث"!. والعجيب أن هدفهما واحد، وما يصلان إليه مُشتَرَك!.
ـ مهمّة الروائي أن يكتب لك حكاية لم يسبق لها أنْ حَدَثَتْ فعلًا، ومع ذلك يصل بك إلى تصديقها!. بعد قراءتها لا يمكن لك إلا اليقين بحدوثها!. وأنت على حق؛ لأنه جمع كل حكايات الدنيا في حكاية واحدة!. الرواية العظيمة تكشف لك خبايا خباياك، بالشعبي الفصيح "تفضح خفاك"!.
ـ مهمّة الشاعر أن يُسمعك حكاية سبق لها أنْ حَدَثَت فعلاً، آلاف المرّات، ومع ذلك فهي لم تحدث بعد!. أو أنها لم تحدث قبل هذه المرّة!. لا يجمع لك حكايات الدنيا في حكاية، فقط يؤكد لك أنك تمتلك حكاية هي عن كل الحكايات!.
ـ أظنّ، عكس ما يُظنّ في أمرهما غالبًا: الرواية تحتاج إلى خيال أوسع من الذاكرة، بينما يحتاج الشعر إلى ذاكرة أوسع من الخيال!.
ـ الرواية تقدّم معنى جديدًا يصالحك مع مشاعرك، أو على الأقل فإنه يكشف لك هذه المشاعر، وأنتَ وشأنك!. واو العطف هنا حاضرة وبقوّة!.
ـ الشعر يقدّم لك شعورًا جديدًا، يصالحك مع معانيك السابقة، أو على الأقل فإنه يبني لك جسرًا للرجوع إليها أو لدعوتها إليك من جديد، وأنتَ شأنك!. في الشعر كل عاطفةٍ باستثناء واو العطف!.
ـ الرواية عَطْف. الشعر قَطْف!.