ـ عندما أشاهد فيلمًا، أعرف من المشهد الأول، من اللقطة الأولى، وأحيانًا من التترات، أمام أي فيلمٍ أنا. وعلى هذا الأساس، الذي ينتقل من إحساس إلى ظن إلى معرفة إلى يقين بسرعة، لا تسمح بفواصل بين الكلمات، "أُدَوزن" أوتار طبيعة وطريقة المتابعة التي يقترحها ذهني ويخفق لها قلبي كمتفرّج!.
ـ بهذه الطريقة أقدر على تخصيب التفاعل، والحصول على أكبر قدر من المتعة يمكن حصده!.
ـ متابعة فيلم لداود عبدالسيّد تختلف عن متابعة فيلم لمحمد هنيدي، من البدء أحدد الزاوية:
ـ فيلم لداود عبدالسيّد يعني أنني أمام فيلم لمخرج عبقري، يتقاطر إنسانيّةً، وفلسفةً، يكمن المرح في ظلال ظلالها!.
ـ وبما أنه فيلم مخرج، فإنّ متابعتي للكادر والزوايا والإضاءة وكل ما في المشهد من نمنمات صغيرة، متابعتي لما خلف الحوار، ولما هو أبعد من الحكاية المعروضة، كل ذلك يصبح جزءًا من المتعة، ومطلبًا للفهم!. وكلّما أعدت مشاهدة نفس الفيلم، هيّأت نفسي لاستقبال خبايا جديدة، وحصلتُ عليها!.
ـ لكنني أحب محمد هنيدي بطريقة أخرى، وحين أقطع تذكرة لمشاهدة فيلمه، لا أبحث عمّا بحثت عنه في فيلم داود عبدالسّيّد، وبالتالي فإنني لا أبحث بنفس الطريقة!. كل ما أريده قفشات ضاحكة، هنا أُقدِّم سذاجتي قربانًا للفُرْجَة!. وهي مسألة لا أخجل منها، بل أعترف بامتناني لهذه السذاجة، وبقدرتها على منحي أوقاتًا مُسَلِّيَة!.
ـ السذاجة مطلب أدبي وفني لقراءة ولمشاهدة جيّدتين!، وهي لا تختفي كليًّا في أي وقت، أو أنني أحرص على بقائها حاضرة، حتى وأنا أشاهد فيلمًا لداود عبدالسّيّد، المسألة مسألة "دوزنة" ومقادير ونِسَب لصناعة مشروب من الضوء أو من الكلمات، مقادير نباهة وسذاجة معًا، يختلطان، تصير السذاجة نبيهة وتصير النباهة ساذجة، يصيران شيئًا واحدًا!.
ـ الأمر نفسه ينطبق على القراءة، لا بدّ من خلْطة خاصة، ومقادير من السذاجة والنباهة، تتضافر ولا تتنافر!.
ـ يمكن لك بعد قراءة عشرين صفحة بالكثير، بالكثير جدًّا، معرفة أمام أي كتاب أنت، كتاب لتمضية الوقت والتسلية، أم عمل أدبي فخم؟!، كتاب لتملأ به فراغات أوقات الانتظار في مقهى أو صالة مطار، أم كتاب هو بحد ذاته قهوة وسفر؟!.
ـ وما ينطبق على الفيلم والكتاب، ينسحب على أمور كثيرة، يكاد ينطبق على كل أمر: علاقتك بالناس، بالأصدقاء والمعارف، علاقتك بالحبيب، علاقتك بالعمل، علاقتك بالحياة وبالطبيعة، علاقتك بك!.