|


صالح الخليف
وجوه لامعة
2018-03-30

يحتاج التعامل مع الضوء والصوت والشاشة إلى مواصفات خاصة للغاية.. لو سألت أحدًا ما أهم متطلبات أولئك الذين تظهر وجوههم على التلفزيون، لأجابك دون تردد: أن يكون وسيمًا.. 



كأنك تسأل عن المرشحة الأولى في مسابقة ملكات جمال الكون.. هذا انطباع نائم في عقول باطنة كثيرة نومة أهل الكهف.. قد يجهل أو يتجاهل هؤلاء البشر الكثيرون كزبد البحر، أن الجمال ليس شرطًا أساسيًّا في اختيار من اعتادت أعينهم على مشاهدته في البرامج السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية والرياضية.. 



لكل محطة تليفزيونية أهدافها وغاياتها وفلسفتها في عرض بضاعتها وعدتها وعتادها.. هذا ليس أمرًا يجب أن نتوقف عنده؛ لأنه معروف ولا شيء يستدعي التعمق في تفاصيله.. ليست الوسامة والقسامة والطلة البهية من أركان النجاح التلفزيوني.. قد تكون مطلوبة ومرغوبة عند بعض القنوات التجارية الهابطة.. ربما تكون ضمن حزمة ما تتمناه المحطات المحترمة.. لكن هذه المحطات المحترمة تضع في طليعة شروطها ورغباتها، أن يكون مذيعوها ومراسلوها قد اعتركوا الصحافة مهنةً ومزاولةً وعملاً سنين عددًا..



المذيع أو المراسل الناجح الذي يصنع الفارق، لا بد أنه مر من هنا.. عبر بخطاه وخطواته أدغال ودهاليز المهنة التي يظن الظانون أنها تمشي الهوينا في طريقها للانقراض.. حينما تشاهد وتسمع ويفوز مذيع أو مراسل تليفزيوني بإعجابك واهتمامك؛ فكن على ثقة لا تخالجها الشكوك بأنه تجذر في ردهات وصالات وقاعات الصحافة..



المحطة التلفزيونية المبهرة والباهرة، تعتمد وتتكئ على المذيع الصحفي.. لا تبحث عن مجرد وجه ديكوري يسر الناظرين.. تحترم نفسها؛ ولهذا تعرف أن من أهم واجباتها احترام متابعيها ومشاهديها.. قد يعجبها حضور وكاريزما من يمكن أن يكون مذيعًا لامعًا، لكنها قبل أن تفتح له أبواب الهواء تعلمه الصحافة.. تعلمه كيف يسأل ومتى يتساءل، وترشده أين يقول ويتوقف وأين ينطلق.. تعلمه الصحافة حتى إذا أضيئت أمامه الأضواء لا يكتفي بوهج الملامح، وإنما يسترق أنظارهم وهواهم بصحافته لا بابتسامته وتشخيصته..



بالطبع والطبيعي هناك شواذ القاعدة.. هناك إذاعيون وتلفزيونيون لامعون وملهمون، لم تكن الصحافة ضمن قدرات تدعم حضورهم.. هؤلاء قلة والقليل لا يقاس عليه.. كثيرون عملوا في التلفزيون وصاروا من رموزه ولم يتعاطوا الصحافة بأي شكل.. لكن على الطرف الأهم والجهة الأمتن، يظل الوجه التلفزيوني المتحصن بتاريخ صحفي أفضل، إن لم يكن مليون مرة؛ فعلى أقل تقدير ألف مرة..



استعرضوا تلك الوجوه التلفزيونية الساكنة في ذاكرتكم، وستكتشفون كيف أن الصحافة تصنع الأفذاذ..