|


أحمد الفهيد
يوسف الثنيان.. "الأولى" و"الأخيرة"!
2018-03-27

أول مقال كتبته كان عن يوسف الثنيان، أتذكر أنني كنت مشدوهًا بشدة لهذا اللاعب العبقري بشكل جارف، تجاوز مرحلة الانبهار بأدائه إلى تقليده وتقمص حركاته، والكرة تركض معه بين قدميه وبدون كرة أيضًا.



كنت في صيف دراسي بين المرحلتين المتوسطة والثانوية، كتبت رسالة من ثلاث ورقات بخط اليد، وحين انتهيت منها طويتها واحدة في قلب الأخرى، ووضعتها داخل مظروف صغير، أطرافه مقلمة باللونين الأزرق والأحمر، وكتبت عليه عنوان صحيفة "الرياضية" التي كانت تزهو آنذاك بالأبيض والأسود فقط، وتلبس غلافًا ورديًّا، وذهبت به إلى مكتب البريد السعودي في مدينتي الصغيرة الحالمة "مرات"، التي كبرت الآن وصارت عروسًا فاتنة، ‏⁧‫تزوجت الجمال وأنجبت منه ليلًا رقيقًا، رائقًا، وكأنه قلب ثانٍ يدق في صدور أهلها، وهناك في مكتب البريد الذي كان يبعد دقيقة واحدة مشيًا على الأقدام من منزلنا، حدثت قصة أول محاولة للكتابة في طريقها إلى النشر، لكنها لم تُنشر!.



توقعت ألا  يضيق صدر "بريد القرّاء" بها، كانت زفرة كبيرة من صدري، لكنها ماتت في المسافة بين الوريد والبريد، ماتت الرسالة "المقالة"، لكن الإعجاب بالأعجوبة رقم 15 بقي حيًّا، يُرزق الحب في قلبي، وبقيت رغبة الكتابة ‏جامحة، طامحة، وبعد سنتين من هذا كله، ذهبت إلى مكتب البريد نفسه، وأرسلت رسالة أخرى مطبوعة على الآلة الكاتبة ـ طبعتها بنفسي ـ لم تكن مقالًا هذه المرة، وإنما قصيدة نبطية، تلقفها الصحافي العملاق، والمعلم العظيم الإنسان عبدالرحمن بحير، وفتح لها صدره وصفحة "سوالف ليل" في "الرياضية"، إلى أن صرت زبونًا من زبائن الصفحة والصحيفة، التي أصبحتُ بعد 11 عامًا أحد موظفيها، بل صرت المسؤول عن صفحات "بريد القرّاء"، وكتبت فيها مقالات كثيرة، لم يكن بينها واحد عن الأسطورة يوسف الثنيان، الذي كنت أرتدي قميص رقم 15 حين كنت لاعبًا في نادي "كميت"، أرتديه من أجله، من أجل أن أقول للجميع إنني أحبه، وأرغب بشدة أن أكون مثله، على الرغم أنني لم أكن ألعب في الخانة نفسها التي كان يلعب فيها.. لم أكن أشبهه، كان ساحرًا، زاخرًا بالدهشة، لكنني كنت أقلده لأبقي على شغفي بكرة القدم يقظًا، وبمنأى عن قُبْح كبير وكثير كانت اللعبة تسديه لنا بسخاء!



الآن، ولأنها المقالة "الأخيرة" في حبيبتي "الرياضية"، التي فتح الأستاذ الملاذ الأَخَّاذ صالح الحمادي بابها لي مؤمنًا بي وأمينًا على وجودي فيها، وقال لي تفضل "ابدأ الرحلة الطويلة، وكن صحافيًا.. ثم اصنع وجهك ووجهتك كما تريد"؛ لأنها "الأخيرة" أردتها أن تكون كما "الأولى" عن يوسف الثنيان، الذي صار الآن صديقًا عزيزًا.. وما زال يحتفط في "رأيي عنه" بمكانته كلاعب خرافي لم تنجب ملاعب كرة القدم العربية لاعبًا ببهاء موهبته ودهاء أدائه، أكتب عنه لأقول: لقد صنعت لكرة القدم متعتها الخاصة اللذيذة، ولكرة القدم السعودية تحديدًا كنت مباهاتها أمام الآخرين، وأيقونة الزهو المعلقة على رقبتها.‬