|


فهد عافت
زمن: خير كتاب في الزمان جليسُ؟!
2018-03-24

 لا مجال للمقارنة بين القراءة والمشافهة، على الأقل من حيث الفائدة، ومن حيث الحضّ على التّأمّل، ومن حيث الإقرارـ دون حرج ولا مباهاة ـ بالصَّواب وبسلامة الرأي، والفكرة التي لم نكن نتبنّاها أو نتبيّنها، أمّا من حيث المتعة فلا أقدر على التفضيل، لكلٍّ هواه!



ـ في الكتابة، يعرض الكاتب فكرته، يدافع عنها، يطرحها للحوار، لكن للحوار الداخلي، بينك وبين نفسك!. الكتاب موجود وغير موجود في اللحظة ذاتها!. السطر يحاكيك ويسمعك أيضًا، لكنه لا يتراجع عمّا يقول، ولا يهدّدك بالانسحاب، وهو في نفس الوقت لا يُدلّلك دلالًا زائفًا فيستجيب لرغباتك ويجاريك، أو يُعدِّل الموضوع أو يخفف وطأته أو يغيِّره على هواك!.



ـ الكتاب يدخل ولا يتدخّل!. تريد: أكمل!، لا تريد: توقّف!، لكنك تدري وأنت تطوي الكتاب، بأنه مستمر في قول ما يريد!.



ـ فتح الكتاب لا يُسكتك، وغلق الكتاب لا يُسكته!.



ـ بعد فتح الكتاب ولو لدقائق لا تعود قادرًا على أنْ تكون بلا رأي!، إنه يمنحك أهم حقوقك: أنْ يكون لك رأي!.



ـ فأنت وبمجرِّد رفضه وغلقه، صرتَ حرًّا، وامتلكت قرارًا، حتى لو كان ذلك القرار هو الرفض!. لقد نجحت في قول "لا" بملء إرادتك، هنيئًا لك: صرت مهيّئًا لقول "نعم" في مكان آخر!.



ـ مشكلة المشافهة، أننا نبدأ بعرض فكرتنا، غير غافلين عن إمكانيّة المقاطعة والاعتراض، مما يحدّ من أفكارنا أو يحيّد جزءًا منها، ثمّ إننا وبالنظر إلى عيون الآخرين، نقيس مدى تجاوبهم، فنغيّر أو نبدِّل!.



ـ ولأنّ المقاطعة حاصلة حاصلة، يتوه جزء من الفكرة، يحاول صاحبها لملمته بشروحات، كلمة تجر كلمة، وفجأة يأخذ المشهد شكلًا لم يكن مقصودًا ولا في الحسبان: بدل أن ندافع عن الفكرة نبدأ في الدفاع عن أنفسنا وبحرارة، ونظن أننا ندافع عن الفكرة!.



ـ كلمة من هنا، كلمة من هناك، ويصير أعز الناس خصمًا ولو لدقائق!. ولأننا نكون مشغولين بالدفاع عن أنفسنا من خلال مزيد من الشروحات، يصير من الصعب جدًّا، ربما من المستحيل، أن نفهم قصد الآخَر!.



ـ أحيانًا يحدث أمر أقل حِدّة، ويبدو أنه أطيب ولكن...!. بكثير من تكديس الحجج، يلجأ بعضنا إلى ما يشبه الاعتراف بأنه كان يرى ذاتَ الرأي ولكن بأسلوب مختلف، وأنه فيما لو فُهِمَ حديثه لما كان إلا تنويعًا على ذات المعنى!. مثل هذه الانسحابات التكتيكية لا يقبلها الكِتَاب، ولا يصنّفها بغير "فضّ مجالس"!. 



ـ في المشافهة نبدأ طامعين بتبنّي الآخر لرأينا ولأفكارنا. يصعب أنْ يكتفي المتحدث بعرض فكرته. يريد أشياء أخرى يظنها جانبيّة، لكنها تدخل في نسيج المسألة، يريد الإنصات، والتأييد، والإقرار، والتّبنّي!. يحدث ذلك حتى لو كان الحديث عن الميول الكرويّة!.

ـ من المؤسف، المضر، أننا في زمن: خير "كتابٍ" في الزمان "جليسُ"!.