|


فهد عافت
الاستبداد.. حق من حقوق القارئ!
2018-03-11

متى تبدأ الكتابة، أعني كتابة الجملة الأولى، أو شبه الجملة، اللاقطة للفكرة، والمُخصَّبة بالاسترسال، أو بالوعد المحرِّض عليه بشغف؟!، هذه مسألة جوابها عندك، يخصّك، مشكلتك وحلّك!، لك منّا الدعوات والترقّب، أكثر من ذلك يصعب التدخّل!.



ـ تبدأ مهمّتنا، نحن القرّاء، بعد هذه الجملة، أو شبه الجملة، مباشرةً!، وليس بعد انتهائك من نصّك كاملًا!. ما إن تخطّ كلمة، وتحط كلمةً أو حرفًا بعدها، نصبح أصدقاء رحلة، لقد استأمنّاك على أنفسنا، أفكارنا، أخيلتنا، رهافة إحساسنا، تداعيات مشاعرنا وأفكارنا، خصوبة تأمّلاتنا وتأويلاتنا!. وسواءً كنا نعرفك من قبل، أو أننا نقرأ لك للمرّة الأولى، فإن هذا ما يحدث!.



ـ صحيح، لو كنّا نعرفك من قبل، تكون صاحب رصيد، جيّد أو رديء، يسمح لنا بقليل أو بكثير من التريّث، مثلما يسمح لنا بنِسَب متفاوتة من التّململ والشكوك المؤثِّرة حتمًا في التكملة وفي الاستيعاب، لكن حتى لو كنّا نلتقيك أول مرّة، فإننا سنُسقِط عليك، عدلًا وظُلمًا، خبراتنا السابقة في صحبة كل من قرأنا لهم، نقرؤك تراكميًّا، هذا قَدَرك، وقَدَرنا. القراءة قُدْرَةٌ وقَدَر!.



ـ الكتابة جغرافيا، أمّا القراءة فهي تاريخ!. أهلًا “بورخيس” أنتَ ممّن يُسمح لهم بالدخول والمقاطعة والإضاءة في أي وقت، وشكرًا للدّعم: “التاريخ الأدبي الوحيد الذي يُعتَرَف به هو تاريخ القراءة، فالقراءات هي التي تكون تاريخيّة، وليست الأعمال الأدبيّة، إنّ هذه الأخيرة تبقى دائمًا هي نفسها، ووحدها القراءات تتغيّر مع الزمن”!.



ـ يحق لي كقارئ التوقّف عن قراءة أي نص أو كتاب، والذين يطلبون من الآخرين قراءة كتاباتهم، أو كتابات غيرهم، الذين يفعلون ذلك بإلحاح وبشكل مباشر، إنما يحشرون أنوفهم فيما لا يعنيهم، وهم بذلك يتساوون في القيمة الأخلاقية “الأدبية” مع من يطلبون مِن الآخرين عدم قراءة كتاب معيّن، ومع من يحذّرون شخصًا بعينه من خطورة نص أدبي، أو من ضرر قراءة كتاب معيّن!.



ـ وحين أتحدث تحديدًا، عمّن يحرجوننا بطلب قراءة كتاباتهم، حدّ المعاتبة فيما لو لم نفعل، أقول إنّ مثل هؤلاء إنما يهينون فن الكتابة نفسه، عبر اقتحامهم المتغطرس لفنّ القراءة!.



ـ من حقك، وربما كان من واجبك أيضًا، أن تكتب وأن تنشر، وأن تتيح لنا إمكانيّة الوصول لما تكتب، لكن وما إن نصِل، ما إنْ تتأكد من أنه صار بإمكاننا القراءة، يكون دورك قد انتهى، وأي تدخل آخر في مزاجنا وفهمنا ورغباتنا هو تدخل سافر وممجوج!.

ـ تريد جمهورًا عريضًا، الكتابة مهنة لا تَعِدُ بهذا!. القرّاء لا يشكّلون جمهورًا عريضًا، تريد جمهورًا عميقًا، نعم، الكتابة تَعِدُ بهذا!.



ـ لكن العميق لا يُوجّه ولا يؤمر، ولا يُبتزّ عاطفيًّا، ومن سوء حظك أنّ مثل هذا الجمهور يُولَد وهو يعرف حقوقه كاملةً، ويتمسّك بها، بل قد يستبِدّ فيأخذ من حقوقك، فمن حقوق القارئ الاستبداد أيضًا!.