الفن، وتلقّيه، ليس مسألة تفسير، لكن مسألة شعور وحِسّ!. وكذلك النقد الفنّي، لحظة لأُقوّسها "النقد الفنّي"، هو أيضًا مسألة شعور وحِسّ، كل شروحه وتفسيراته إنما هي شروحات وتفسيرات لمشاعره وأحاسيسه تجاه العمل الفني، لما قَدِر العمل الفنّي على تحريكه وإثارته منها!. مشاعر وأحاسيس وفيض تنبّؤات ليس إلا!.
ـ على الأقل: الفن مسألة قلبيّة في جوهره، أمّا في "تجمهره" فقد يصير مسألة عقليّة!، لكنه حين يصير كذلك، حين يبدأ العقل في أخذ الزِّمام، وتسيير الأمور والوجهة، فإننا قد نكون أمام عمل فنّي، لكننا لسنا أمام حالة فنيّة تسمح بتناوله وتعاطيه!.
ـ بتعبير مجازي، نكون قد أنقصنا الفن بزيادته!، مددناه بألفٍ وهمزةٍ: الجمهرة رحلة العمل من "فن" إلى "فناء"!.
ـ خطر مثل هذا القول، أنه يمنح فرصة لأصحاب الشعارات الفارغة بمزيد من التشويش: "لا قواعد، لا ضوابط، لا قيد، لا حَدّ"!، وهذا غير صحيح بالمرّة.
ـ ليس أكثر قرفًا ولا أذِيَّةً من شلّة "كيفما اتَّفَق" هذه!.
ـ القصد كله أنّ:
الحس أعمق من الذهن!. ما يصل بك الى الحس يكون قد كفّى ووفّى!. الذهن أصلًا، لتمهيد الطريق إلى حس سليم!. و"سليم" هذه تعني الفِطْنَة المتفوّقة في الاختيار "من بَيْن.."!.
ـ من هنا جاء "البيان"، من الذكاء القادر على انتخاب أمر ووجهة وزاوية ومعنى وتأويل "مِنْ بَيْن" أمور ووجهات وزوايا ومعان وتأويلات!. وكلّما تعدّدت هذه الأمور والزوايا صارت عمليّة الانتخاب أكثر معافاة، وأطيب نتائجًا، وأجدر بالتقدير!.
ـ الفهم الذي هو ثمرة العقل، هو: اختيار "مِنْ بَيْن"، ثم ربط "فيما بَيْن"، وهكذا إلى ما لا نهاية!.
ـ الفهم ضرورة. وجوده ضرورة، لكن القفز عليه ممكن أيضًا!، والقفز هنا يعني التجاوز: التجاوز بمعنى المرور به لطفًا واحتوائه خطفًا!، وليس القصور عنه أو الالتفاف عليه!.
ـ هذا يعني ضرورة وجود قواعد وروابط وحدود. عبثيّة "كيفما اتَّفق" هذه شعوذة وليست فنًّا!. لكن الفنّ، وبالرغم من خطورة هذا القول، مسألة حِسّ وشعور، لذّته وفتنته: أنْ تفهم إحساسك، أن تشعر بشعورك، أن تقبض على هذا المُطلَق فيك!.
ـ ولا خوف، فأنت حين تمسك بما لا يمكنه إلا أن يطير، فإنه لن يُحبس معك. ما أن تُمسك به حتى يطير بك!.