الشاعر هو "قائل القول لمْ يُتْرَكْ ولمْ يُقَلِ"!. قَنَصَها المتنبّي، عرّف بها الشِّعر ونفسه!. المتنبّي مسح واو العطف بين الكلمتين، قُلْهُ، ثم قل: الشعر نفسه!.
ـ ليس الشعر فقط، الكتابة كلها، ليست فنًّا، ما لم تَكسَب حرّيتها من حبسٍ كهذا، لا تنفتح على العالَم إلّا حين تُدخل نفسها في رهان ما بين القوسين: "لَمْ يُتْرَكْ.. و.. لَمْ يُقَلِ"!.
ـ القراءة فنّ أيضًا، شرط أن تكون رهانًا، هو بين قوسين: القدرة على قَنْص ما "لَمْ يُنَحّى جانبًا.. و.. لَمْ يُكْتَب"!.
ـ والموهبة هنا وهناك، موهبة الكاتب وموهبة القارئ، موهبة الفنّان وموهبة المتلقّي، تُلزِم طَرَفي الإبداع بالّلاصعوبة!. إن صعّبتَ أمرًا وإنْ استصعبته خَرَجْتَ من الدائرة!. وأغرب ما في هذه الدائرة أنها ذات زوايا، وأنها غير مُغلَقة!.
ـ الفتنة كلّها في الوصول بيُسْر، في القدرة على القطف والالتقاط دون كلفة. مسألة إلهامٍ أو كأنّها!. لستُ متردّدًا غير أن مسألة الإلهام نفسها غير ممسوكة، لا تسمح بذلك، وهي تسبح فيما لا تسمح!. ولا دليل عليها إلا بـ"كأنّها"!.
ـ ليست الأهمية في كثرة الكتب التي قرأناها أو التي يمكن لنا قراءتها، مثلما أنه ليست الأهمية في كثرة الكتب التي يمكن لنا أو لغيرنا كتابتها!. يُمكن لشاعر أن يكتب كل يوم قصيدة، لكنه ما لم يكن مُلهمًا، وموهوبًا حقًّا، فلا قيمة للعدد!.
ـ كذلك القارئ. يمكن لقارئ موهوب، مُلهم، قراءة مئة كتاب أو أقل، تفعل الأعاجيب، تنفضه وتُغيّره فكرًا وأخيلةً وفهمًا وأمنيات،.. تُوصِله إلى القصيّ من كل عزيزٍ مُحْكمٍ وحصين!. مثلما يمكن لقارئ فاقد موهبة، قراءة عشرة آلاف كتاب وتكون المحصلة "مَضْيَعة وقت" ليس إلا!.
ـ العلاقة بين الفنّان والمتلقّي لا يحدّها النص، ولا العمل الفني أيًّا كانت طبيعته. هي علاقة صداقة وصِلَة رَحِم فكري، علاقة أعمق ممّا يُمكن لظروف الجغرافيا وقِصَر الوقت إتاحته!. علاقة أكبر من حقيقيّة، ولأنها كذلك تبدو افتراضيّة!. الواقع مُجْبَر على اعتبارها افتراضيّة لأنه غير قادر على استيعابها. يفهمها لكنه لا يحدّها!. من هنا تكسب فاكهة الإبداع طَعْمَ العقيدة!.
ـ المُنجَز الفني، لقاء خاطِف لكنه ليس عابِرًا!.