|


صالح الخليف
أن تصبح متعة..
2018-02-17

يقولون إن الصحافة بكل طغيانها وملكوتها وجبروتها وعوالمها وأسطوريتها في طريقها إلى حبال المنتهى..



اقتربت كثيرًا من جدران المقبرة.. يقولون إنها تلفظ أنفاسها ما قبل الأخيرة.. يقولون إنها تعيش على التنفس الاصطناعي، بعد أن اختنقت بثاني أكسيد كربون تويتر والسناب وبقية الشلة إياها..



هي دورة الحياة.. وكل من عليها فان.. فالعالم يتغير ويتبدل ويتحول، دون أن يترك لأهله وأصحابه والعائشين على ضفافه فرصًا أو وقتًا لالتقاط أنفاسهم.. المتحدثون عن الحلول يدورون فحسب حول دائرة المال والفلوس، وكيف يمكن توفيرها.. لم تكن الصحافة يومًا تجارة.. ليس هناك مستثمر أو رجل أعمال عاقل يضع أمواله وحلاله وعرق جبينه وما كسبت يمينه في صناعة معقدة وصعبة ومزعجة ومتعبة، ثم يجلس القرفصاء منتظرًا المرابح على الأقل في العشرين عامًا الماضية.. 



كل من أقحم نفسه في تجارة الصحف، إنما كان يبحث عن غايات ليس من بينها أن يتضاعف رأس ماله مثنى وثلاث ورباع.. ربما هناك نماذج تتفلت من هذه القاعدة.. تبقى مجرد نشاز لا يمكن الاتكاء عليها لهز القاعدة.. أن تفتح محلاً صغيرًا لبيع الشاورما أكثر فائدة وربحًا ومنفعة من عوائد صحيفة عريقة ومحترمة وقوية ونافذة.. هذه حسبة مالية ليس إلا..



من بين مهمات الصحافة وأدوارها تأتي المتعة..



كثر يطالعون الصحف للاستمتاع.. يستلذون بأخبار الدنيا وهموم الناس ومشاكل البشر.. يقضون دقائق معدودة وراء هذا الاشتهاء والنزعة.. ليس كل شيء في الصحافة ثقافيًّا وتوعويًّا وتنويريًّا ومعلوماتيًّا.. كانت جل الصحف أو أغلبها تفسح مساحة شاسعة من أجل اللهو البريء.. ذاك يقال مثلاً عن الكلمات المتقاطعة.. حتى المساجين ينكبون على زاويتها ومحاولة نزع أسرارها وطلاسمها..



مقال ساخر.. قصة ماتعة.. صورة مذهلة.. خبر كاذب.. تقرير صادم.. هذه أجزاء المتعة في تلك الأوراق المهترئة التي تفترشونها بعد صدورها بأربع وعشرين ساعة؛ من أجل تناول نفر رز بخاري..



صحافتكم أيها الصحفيون المتشائمون إحدى وسائل الإمتاع.. واصلوا تصدير المتعة أيها الجرحى الحزانى.. واصلوا حتى يقال لكم ما يقال للعطارين بعد فوات الأوان.. وهل يصلح العطار ما أفسدته الذائقة والذوق والمتذوقين؟