صَوَّرَ صفحةً من كتابٍ، وأرسلها لي يطلب شرحًا وتوضيحًا، وكان هذا ردّي: في الكتابة، لا كل فهمك صحيح، ولا كل صياغةٍ حَسَنة بالضرورة. لكن الأمر في القراءة مختلف. في القراءة: كل فهمك وتأملاتك صحيحة.. أيًا كانت.. لا حاجة لشرحي.. أو لشرح أي أحد.. حتى الذي لا تفهمه فإن عدم فهمك له صحيح أيضًا أسعدك الله!.
•••
ـ ما زلت، وأظنني سأظلّ، ممّن يستخدمون القلم والورق في الكتابة، لا أذهب إلى نَقْر الحروف على شاشة جهاز، إلا بعد أن تقترب كتابتي للموضوع من الإحاطة به. ليست المسألة مسألة تمسّك بقديمٍ أو عادة، على الأقل هي ليست كذلك فحسب. المسألة كلها في “الشَّطْب”!. في كتابة كلمة، أو جملة، ثم شطبها!. هذا ما لا تتيحه لي الأجهزة، تتيح لي المَحْو والمسح والإزالة، لكنها لا تتيح الشَّطْب!، والفارق بالنسبة لي كبير!.
المشطوب جزء من الكتابة، يُبنى عليه، وكثيرًا ما يتمّ رجوعي إليه، للاستئناس به، وللتأكد من أنني تركته لما هو أطيب وأعذب!.
ـ وفي مرّات كثيرة، وبعد شطب عدّة صياغات لمعنى واحد، أجدني مشدودًا لأوّل صياغةٍ قلته فيها، فأعود إليها، وما أجمل أنْ تعود لمعنى في جملةٍ لم تَرُقْ لك صياغتها أوّل الأمر، ثم تكتشف فيها دفقًا عاطفيًّا، وكأنه كان يختمر، ولفرط ثقته بنفسه تركك تختبر سواه!، ثم: “الله ما أحلى الرجوع إليه”!. هذه الأغنية لم يكن لها أن تكون لغير “نجاة الصغيرة”، الوصول إلى المعنى والشعور به “نجاة صغيرة” أيضًا!.
•••
ـ كثيرًا ما قيل لنا، وقرأنا: المتفائل ينظر إلى نصف الكوب الممتلئ، والمتشائم ينظر إلى نصف الكوب الفارغ. ظنّي أنّ المتفائل أكثر بصيرةً، ليس من المتشائم فقط، بل حتى من رَسْمهِ المنقوش في المَقُولة!. ينظر المتفائل إلى الفارغ والممتلئ من الكوب، وهو فيما يخص الفارغ منه يجد مَنْفَعَةً خبيئةً، أو جمالًا مستورًا أيضًا!.
ـ ليس للمتشائم أرض وليس للمتفائل حَدّ!.
•••
ـ كثرة الحُسّاد فَضْلٌ من الله ونِعْمة. أحمد الله عليهم وأستعِذ به تعالى منهم، نصفهم أو أكثر، يكرهك لأنه أراد أن يُشفق عليك، فأنعم الله عليك بفضلٍ منه، قَلَبَ الموازين، فحسدك بَدَلَ أنْ يُشفق!.
ـ تخيّل: كان يمكن لهذا الحاسد أنْ يلعب دور العطوف الرؤوف، دون أن تعرف!، وحتى إنْ عرفت، ربما تموت قهرًا من كونك لا تقدر على كشف حقيقته أمام الناس، كلّما هممتَ، انتقدوك وأكثروا الملام، كيف تقول ذلك عنه وهو لا يترك فرصةً إلا ويُعلن فيها تعاطفه معك وأمنياته القلبيّة لك بالسِّعة وبالفَرج من الكُرَب!.