|


فهد عافت
مربط الفَرَس و"مَرْنَن" الجَرَس!
2018-01-29

كل تعريف تقويس، وكل تقويس شهيقه الجَمْع وزفيره المنع، وإلا فإنه ليس تعريفًا.



ـ التعريفات الطيّبة لا تمنع الاحتواء، تمنع للاحتواء!، للإشارة إلى الجوهر، إلى ما لا يمكن غيابه!.



ـ الملاءمات النقديّة، الملاءمات الحقيقية في النقد الحقيقي، لها منفعة كبيرة، وهي وإن كانت وقتيّة، فإنها تؤمِّن التلاحق والتلاقح فيما بينها، الأمر الذي يتيح اتساع ما بين القوسين، لاستيعاب انزياحات وإضافات جديدة كلّ مَرّة!.



ـ "الشعر هو الكلام الموزون المقفّى". يا للتقويس الرائع. ما ظُلِم هذا التعريف وما أُهينت أقواسه، إلا لأنه وصلنا بعد انقطاع ثقافي وأدبي وفني طويل عنه ومعه!. 



ـ وصلتنا كلمات التعريف يابسة، معزولة عن أرضها ومفصولة عن وقتها. أي عن حقيقتها!. الأمر الذي سَهُلَ معه لأرباع وأنصاف المواهب الشعرية، استغلال عبثية أرباع وأنصاف المواهب النقدية الشتّامة والساخرة من التعريف، والشروع في تهويمات خائبة!.



ـ لو أرجعنا هذا التعريف لمناخه الأول، لأرضه البكر، لتكشّفت لنا خصوبته بما يعيد له كرامته المُهْدَرة على أيدي من حُرِموا أذنًا موسيقيّة، ولم يُحرموا الافتئات، بثرثرات مخزية تطالب بإعفاء التعريف من منصبه، وتظن أنّ بإمكانها التوقيع على إقالته، أو إحالته إلى التقاعد!.



ـ الكلمات الثلاث المُعرّفة للماهيّة، لماهيّة الشعر: 1ـ  كلام. 2ـ موزون. 3ـ مُقفّى. أما النقطة الأولى فهي أساس الشعر كله. هو ببساطة كلام!. إشارة عابرة للزمن وأبديّة فيه. أضف إليها ما تريد: لون، صورة، خشبة، جسد، تجريبات تكنولوجيّة، ما تريد. يمكن قبول كل هذا، تجريبًا وتخريبًا!. لكن دون كلمات، لا يمكن القول عن عمل فنّي ما، إنه شعر. هذه كلمة فصل.



ـ النقطة الثانية: موزون!. هذه هي التي ذبحت المواهب الزائفة!. يشعرون في داخلهم بقدرتها على "اللّطع"!، لطعهم على قفاهم!. يُنكرونها، يتهربون منها، يعلنون رفضهم لها، لكنك فيما لو دقّقت وتفحّصت إنكارهم وتهربهم ورفضهم، لما تبيّن لك أكثر من توسّلاتهم لها، وتسوّلاتهم عند عتبة بابها!. 



ـ يطرحون "الموسيقى الداخلية" كبديل!. يا سلام سلِّم!. دعك من تشويش "الداخلية" هذه، وأمْسِك بالموسيقى!. هذه الكلمة لا يمكن لها أنْ تَمُرّ دون رياضيّات وهندسة حسابيّة صارمة ودقيقة ولا تقبل الأهواء!. وهذا هو بالضبط معنى ومبنى "الوزن"!. وعليه فإن الشعر هو "الكلام".. "الموزون"!.



ـ النقطة الثالثة: "المُقفّى". هذه كان يمكن للمتنطّعين قبولها لولا أنّ القافية في معزل عن الوزن، تكشف غالبًا عن "مسخرة" في الصياغة، لا يمكن حتى لذائقة نصف مُدرَّبة، غير ركلها، وإزاحتها عن الطريق!.



ـ في القافية يكمن جوهر شعري خلّاق، يصعب فهم التنازل عنه. طاقة، وطاقيّة الإخفاء كلها في القافية. ما كان يمكن لقصيدة أن تقفز كغزالة من معنى إلى معنى ومن أُفُقٍ إلى أُفُق، لولا سحر القافية!.



ـ والسؤال: هل تعارض هذا التعريف مثلًا، أو اعترض طريق تعريف الجرجاني لـ"القول الشعري" فيما بعد؟!. لا!. الجرجاني بعبقريته احتوى التعريف الأول، وانطلق منه لتعريف جوهر آخر، أكثر عمقًا، لكن لم يكن بوسع الجرجاني الحَفْر، لولا وجود أرض. كان التعريف الأول هو الأرض!.



ـ كل شعر حقيقي، هو شعر حر!. وكل الشعر الحر: كلام، موزون، ومُقفّى!.



ـ هذا هو مربط الفَرَس، و"مَرْنَن" الجَرَس "حلوة "مَرْنَن" هذه، حلوة وجديدة وملعوبة. أنا شاعر!".