يمكن للنقد، كمذهب ونظريّة واتجاه، أنْ يكون موجودًا، وسابقًا، لكثير من الأعمال الفنيّة والأدبيّة، وأنْ يظل محتفظًا كذلك بألمعيته، وأهميّته، وفائدته، متى ما تم استدراجه بحِسّ منفتح، لتناول أعمال لاحقة. لكن لا يمكن له تحت أي ظرف أن يكون "استباقيًّا" لعمل فني مُحَدَّد وبعينه!.
ـ النقد الفنّي ليس أقواسًا، حتى إنْ اتّخذ شكل الأقواس، لكنه أجنحة، مهمتها دائمًا، التأكيد على أنّ الفضاء رحب، ويتَّسِع!.
ـ كثيرًا ما يكون العيب في الناقد، وليس في نظريّة النقد التي يتقدّم بها نحو العمل الفنّي!. لكن ـ ومع الأسف ـ فإن النقد هو الذي يتحمّل الوِزْر وسوء السمعة!.
ـ نزاهة النقد، في أنّ النظرية النقديّة تختبر نفسها أيضًا أثناء اختبارها للعمل الفني!. لا شيء منهما "لا النظرية ولا العمل الفني" ثابت وغير قابل لاختراقات مفاجئة من الآخر، تثريه وتضيئه، وتغيّر فيه، وتتغيّر من خلاله!.
ـ النقد الفنّي، فنّ أيضًا، وفنّ بالضرورة. والناقد الماهر يضع هذه النقطة بين عينيه على طول الخط. ما إنْ يغفل عنها، أو يتجاهلها، حتى يُصاب بأنفلونزا الغطرسة. بعدها يتبجّح بما لا يمكن احتماله!.
ـ النظرية العِلْمية بِنْتُ الفَرَضِيّات، بينما النظريّة الأدبيِة أمّ الفَرَضيّات!.
ـ مسيرة النظرية العلمية تبدأ من وجود "حقيقة"، تستلزم هذه الحقيقة فرضيات لتفسيرها، الفرضيّة الناجحة، الناجحة على الدوام، تُنتج النظرية، فإن تمكّنت النظرية من ضبط نفسها في معادلة رياضيّة، صارت قانونًا: راجع حكاية سقوط التفاحة. السقوط "حقيقة"، جاءت الفرضيات لتفسيرها، "الفرضيّة" الأنجح في كل اختبار تمر به، صارت "نظريّة"، ثم حين تم ضبطها في معادلة رياضيّة، صارت "قانونًا"!.
ـ حين يتعامل الناقد الأدبي، مع النظريّة الفنيّة والأدبيّة والعلميّة، يتوجّب عليه دائمًا، وفي كل مرّة، السير في الاتجاه المعاكس تمامًا!. لديه "قانون" يُرجعه إلى "نظرية"، ترجع به إلى "فرضيات" لمعرفة "حقيقة" عمل أدبي أو فنّي ما!. وهو ما لم يقم بهذه الرحلة المعاكسة، فإنه يظلم الجميع: نفسه والعمل الفني والقارئ والنقد والأدب والعلم!.
ـ وهذا بالضبط ما يفعله "الاستباق". فمهما كانت نوايا، بل حتى مشاعر، الناقد طيّبة، فإنه ما إنْ يتقدم نحو عمل فنّي، مانحًا أدواته سُلطة "استباقيّة"، فإنه، وفي أفضل الأحوال، مثل مَن يشتري خاتمًا ثمينًا، ليضع أصابع محبوبته في اختبار، ما لَمْ يكن الخاتم على مقاس إصبعها، يغيّر رأيه في مشروع الخِطْبَة!.