|


أحمد الحامد
لا تشترِ كنبة
2018-01-25

أخطأت يوماً واشتريت كنبة، وضعتها في غرفة صغيرة، كانت زرقاء من قماش واسعة لكامل أقدامي عندما أتمدد وأستلقي عليها، كان الاستلقاء بدايات النوم شبه الدائم على الكنبة.. وعلى الحياة.



تحول عنوان إقامتي في البيت إلى هذه الغرفة الصغيرة، لا مواعيد للنوم والاستيقاظ والأكل، شكلت مربعاً عشوائياً في كل شيء ضمن مدينة كانت منظمة ومنضبطة.



صادقت اليوتيوب وكل ماهو قديم جدا، صور المدن القديمة والأثاث في الخمسينيات والستينيات، مباريات الأبيض والأسود.. وأول مباريات الألوان وسيارات الكلاسيك.



تحولت إلى كهل وقح، يرفض سماع صوت الأطفال العالي، يزعجه لعبهم داخل البيت.. ولا يخرجهم للعب خارجه، أشاهد التلفاز الصغير ممتعضاً ومكذبا كل شيء، فقدت متعة الأشياء وهمة الحصول عليها، أصبحت سميناً مدخناً، تستوقفني المرآة الطويلة أحيانا لأشاهد سمنتي وتساقط منتصف شعري.



هكذا أصبحت.. غير مهتم.. حتى بالإذاعة التي أحبها.. بدأ إحساسي بالذنب تجاه الراتب الذي أتقاضاه من عملي، هل أقدم لهم ما أستحق عليه أجري؟ هل هو حرام علي الآن أم حلال؟ ذات يوم من أيام الكنبة شاهدت برنامجاً عن حياة الصقور، كان المعلق يقول: إن الصقر يصل إلى مرحلة يضعف به كل شيء.. ريش أجنحته.. حدة مخالبه وقوة منقارة.. 



فيضعف حجم صيده ويتجه سيره نحو الهلاك والموت، لكن الصقر دائما يتخذ القرار الأكثر إيلاماً والمستقبل الأكثر إشراقاً.. فيقوم بعملية التجديد المؤلمة، فيضرب منقاره بالصخر حتى يصبح كالسكين الحادة متحملاً أقسى أنواع الألم، ويزيل ريشه القديم حتى ينمو الريش الجديد.. ويبدأ من جديد حياة تليق بسمعة وشجاعة الصقور.. رافضاً أن ينتهي به الحال إلى مشرد ينتظر انتهاء الغربان من وليمتهم. 



غيرت مشاهدتي لذلك الفيلم عن الصقر مباشرة من الحالة التي كنت عليها وأخرجت من داخلي الطاقة التي اعتقدت يوماً أنها نفدت، أخرجت الكنبة من البيت وخرجت أركض في كل مكان.. أنقصت وزني ٢٠ كيلو في ثلاثة أشهر، وتوقفت عن التدخين.. وذهب للإذاعة أعمل في أي شيء، لا أقول إنني كنت صقراً، ولا أقول إنني أصبحت ناجحاً، لكنني أقول لك عزيزي القارئ: لا تشترِ كنبة.