وقبل أن نتمّ حديثنا الذي بدأناه أمس، اسمحوا لي أن أقدّم لكم جميعًا اعتذاري. حرصت دائمًا على عدم التجزئة، وأعدكم بعدم تكرارها، إلا في "الشديد القوي" كما يقول أحبتنا في مصر. شاكرًا لكم حسن المتابعة وكريم الصفح والتصفّح!.
ـ "4": كلّ أُمّة غُلبت على أمرها، تحلم بوجود "المُخَلِّص"، لا تصنعه ولا تؤسس لوجوده، فقط تنتظره!. يظهر آخر الأيام ويملأ الدنيا عدلًا!. صفته أنه ليس موجودًا بين أفراد الأمّة الآن، هو في مقبل الأيام سيأتي، يأتي من أين؟، من الماضي!. مهمة الحاضر الإيمان بوجوده لا تأمين وجوده!، بناءً على نبوءات قديمة ووعود دينيّة سبق لها أن بشّرت بمجيئه!. وفي تنويعٍ آخر على نفس اللحن، يمكن تغيير النغمة قليلًا، فيتم تفخيم وتقديس نماذج بطوليّة سابقة لرجال صلاح وشجاعة، ومناداتهم ومحاكاتهم في آمال ورغبات شعرية، أَوّابَة!، متلهِّفة، سخينة الدمع!.
ـ "5": وهذه العلامة عجيبة، ومريبة فعلًا!. فالمغلوب هو الذي ينشغل دائمًا بتعريف "الآخَر"!، ما إن تتكسّر أقواس المحاربين في أي أمّة، حتى تنشغل بالكيفية التي يمكن لها وضع الأمّة الغالبة بين قوسين، هذه المرّة لغويين، لتعريفها!. لا يكون التعريف بقصد التعرف!. مع إمكانية طرح هذا السبب كوسيط خير، تدّعيه الأمم المغلوبة إن هي أحسّت بشكوك قد تسبب لها الأذى أو تضاعفه من طرف الأُمم الغالبة!. الهدف الحقيقي دائمًا، والمُضْمَر غالبًا، من مثل هذه التعريفات، هو إقصاء الآخَر، من خلال تأكيد "أُخْرَوُيّته"!.
ـ "6": كثرة الحكايات المفتعلة والمتخيّلة، والتمسك بطرف ثوب أي حكاية حقيقية طبعًا، والتي تسمح بتأليف كتب، أو كتيّبات، تدور مضامينها حول انتصار المغلوب على الغالب فكريًّا، وعقائديًّا، تقوم على أساس وجود حوار فكري أو ديني يطلبه الغالب للتسلية أو لتأكيد أحقية ثقافته بالتسيّد، واثقًا من كسب الجولة، فينبري له الطرف الآخر كاشفًا عن عدالة قضيّته وصواب مذهبه، لدرجة يعترف بها "الآخَر" ويُقِرّ ويشهد بكل ذلك وأكثر!.
ـ "7": الإيمان بالمعجزات، واختراعها!. مثل أن تكتب السماء عبر تشكيل غيوم، كلمة "سننتصر"!، أو تتشكّل أغصان شجرة راسمةً شارةً دينيّة يتفاءل بها أصحابها، أو يكون للقمر شكل يسمح بتوهّم وجه فارسٍ مخبوء في الذاكرة الجمعيّة، وأشياء من هذا القبيل!.
ـ "8": الدعاء للمنتصر عليه!. بمعنى: الدعاء للقسم المُعارِض في الأمة الغالبة بالانتصار على القسم الحاكم فيها!. في توهّمٍ دائم، بأن الطرف المُعارِض أكثر تفهمًا ومناصرةً وإنصافًا من الطرف الحاكم، مع هجر الالتفات للمسألة الأهم، مسألة أن كلا الحزبين، الحاكم والمعارض، القابض على السلطة والطامع بها، من نفس الأمّة التي غلبته، لهما نفس الثقافة والعقيدة والأفكار والمطامع والتطلعات!.