ـ سألتُه: كيف أعرف أنّ هذه المسألة أدبيّة وليست علميّة؟. قال: في كل مسألةٍ لَدَد وتنازع وخصومة، فانظر إلى الخصومة، فإنْ لم تجدها فازرعها!، ثم تأمّل واحكم، إنْ لقيتَ أنّ البلاغة من أسلحة كسب هذه الخصومة، فالمسألة من عِلْم الأدب وليست من أدب العِلْم!.
ـ قلت زدني. قال: ميزةٌ للأدب على العِلْم، أنك تستدلّ به على دواء عِلَلك دون حاجةٍ منك إلى شرحها أو فضحها، بل إنك في كثير من المرّات لا تدري أنك معلولٌ بها قبل أن تشفى منها بعلاج الفن والأدب، هذا ما لا يقدر العِلم عليه، إذْ لا بد للطبيب من معرفة الدّاء لوصف الدواء!.
ـ قلت: زِدْنِي. قال: الأدب صدق، والعِلْم حق!.
ـ لم أقل شيئًا، لكنه قرأ في عيوني رغبة التوضيح، قال: لا فنّان ما لم تُصدِّقه!. حتى الطرائف والنُّكات فإنها لا تُضحكك دون تصديقك لما تعرف أنه كذب فيها!. أمَا ترى أن أثقل الناس ظِلًّا من تُحكى له طُرْفَة فيعترض على سيْر أحداثها ومدى واقعيّتها؟!. وهل في حديث حيوانات "كليلة ودمنة" من الحقيقة شيء؟!.
ـ في الفن والأدب أنت شهريار، والكتاب والعمل الفني شهرزاد!. لو أراد شهريار العِلْم لنادى على السّيّاف قبل أول صيحة ديك!.
ـ العِلْم حقيقة، وطريق إليها، لا يقوم إلا على إثبات، والإثبات لا يقوم إلا على تجربةٍ قابلة للتكرار وتمنح ذات النتيجة كلّ مرّة!.
ـ قلت: زِدْني. قال: في الفنون والآداب، الموهبة تُوجِد الجَلَد عليها، وإلّا فإنها ليست موهبة!. أمّا في العِلْم فياما وياما أوجد الجَلَدُ المواهبَ!.
ـ قلت: زِدْني. قال: أسْرَفْت!.