|


فهد عافت
الأجهزة التي أجهزت علينا!
2018-01-16

 

الكائن الذي لم تعد أسنانه في فمه، خسر وجبته التي هي نحن!. كان قد هيّأ كل ما يلزم لالتهامنا، لكن ولأن رقبته بلا عضلات تسمح بالتلفّت الكافي للوقاية، لم يتمكّن من أخذ حِيطةٍ وحذَر، اكتفى بمراقبتنا، خُدِع باستكانتنا لنواهيه وأوامره. امتثالنا له بَخْتَرَهُ!. إنه التلفزيون!.

 

ـ أَمِنَ لنا، حتّى أنه وضع أسنانه بين أيدينا، سُمّيت فيما بعد بـ"الريموت"!. والفصائل الأعزّ منه، الأغلى ثمنًا، وزّعت حتى حناجرها في عُلَب حسب الطلب!. وبتقنية الأبعاد، صار يمكن مفاوضة حتى وجهه في أمور عديدة!. كل المفاوضات كانت في صالحه، لذلك يوافق، وكنا نشعر بامتنان لسرعة التلبية!. أوهمنا أنه بإمكاننا ابتلاعه، وكان كل شيء يؤكد اقترابه من ابتلاعنا!.

 

ـ تحكّم في ثيابنا وأجسادنا وعقولنا ووجداننا. عبر الإعلانات التجاريّة يختار لنا ما نلبس وما نغسل به ملابسنا، والصابون الذي نستحم به!. نبّهنا إلى ضرورة القلق من قِشْرة الشَّعر، ثم دلّنا على "الشامبو" المزيل للقِشرة!.

 

ـ وعلى هواه كان ينقل الأخبار. يوزّع علينا أخبارنا ويحدد أهميتها!. وينتقي من المحللين من يثبتون لنا أهمية وصواب تحديداته!. بعد مجيئه ارتحنا من التفكير، صار يفكِّر بالنيابة عنّا!. المقادير الحاسمة لم تكن في برامج الطبخ فقط!.

 

ـ ومن يسهل عليه إراحتك من التفكير وإزاحتك عنه، يسهل عليه إراحتك من الحركة!. أفقرنا بإغنائنا عن الذهاب إلى المسرح والسينما، وقدّم لنا أعمالهما، وأعمالًا دراميّة من إنتاجه، وبذلك صارت مشاعرنا ظلًّا لجسده!.

 

ـ بدأ حياته واضحًا صريحًا، يا أبيض يا أسود، وتمكّن منّا عندما شابهنا وتلوّن!.

 

ـ كاد يكسب كل شيء، لولا أنه من الخلف، كان ثمّة شيء يتحرّك، بدأ مثل قطّة مريضة، إنْ هَشّتْ ما نَشَّتْ!، كائن صغير مربوط من سُرّته بسِلْك، كان اسمه التليفون قبل أن يفكّ قيده، وكيفما شاء يتجوّل!.

 

ـ الجوّال انتصر، ابتلع التلفزيون وابتلعنا، ولأنه شاهد بنفسه ما آلَتْ إليه حال التلفزيون بسبب قلّة تلفّته، صار الجوّال أكثر تلفّتًا وتفلّتًا أيضاً، وليضمن ضياعنا فيه، برمج نفسه على ألا يضيع منّا!.

 

ـ نحن أيها السادة في الطّبَق، والأجهزة الصغيرة بدأت غرس الشوكة واستخدام السّكين فعلًا!. وهي بلا قلب حتى لنقول: صحة وعافية على قلبها!.