|


فهد عافت
القراءة التجارية والقراءة الفنيّة!
2017-12-24

 

 

 

القراءة ليست لتوثيق صوابنا، ولا لتأكيد سلامة رأينا أو صحّة ما نعتقد به!.

 

ـ إنّ جزءًا مهمًّا منها، وهو الجزء المسبِّب لحيويّتها، والمؤكِّد لهويّتها، يكمن في غير ذلك، ليس في غيره فقط "هذه كلمة ناعمة!"، الحقيقة أنه يكمن في نقيض ذلك، ضدّه وعكسه، حيث القدرة على تشكيكنا في صحّة وصواب وسلامة ما نعتقد!، أو على الأقل في تبيان كم كان قصورنا فادحًا فيما يخص رؤية المشهد كاملًا!.

 

ـ ونعم: قد تُكافئنا بعض القراءات بطمأنينة وتسلية حين تحفر الكتابات في العميق فنكتشف أننا على حق، وأننا نشرب من البئر ذاتها!، لكن لا تسلية ولا طمأنينة ما لم يحدث ذلك صُدْفةً وعلى غير توقّعٍ ومن دون انتظار!.

 

ـ أمّا أنْ نقرأ لنؤكد صحة ما سبق لنا الإيمان به، وبالطريقة التي اعتقدنا به فيها، دون زيادة أو نقصان أو مَيْل، فهذه ليست قراءة، على الأقل هي ليست القراءة التي أتحدث عنها دائمًا، وأسمّيها فَنًّا!.

 

ـ فإنْ اعتبرت هذه قراءةً، بحكم شكلها الخارجي، فاسمحوا لي بوصفها: مُراجَعَة حسابات، لا مُرَاجَعة أفكار!.

 

ـ يمكن لمراجعة الحسابات أن تثمر نجاحًا تجاريًّا، غير أنّ مراجعة الأفكار وحدها، هي التي يمكن لها أن تحقق الجودة، والتقدّم!.

 

ـ النجاح التّجاري، الشهرة والصيت والنجوميّة، أمور لا تعني أنك لم تعد بحاجة إلى النّاس، بل العكس تمامًا، بل على نحوٍ أكثر سُوءًا من العكس تمامًا!، إنها في الغالب تعني أنّك بحاجة إلى كل هذا العدد الهائل من الناس وأكثر، والأسوأ أنك بحاجة إلى خداعهم أكثر؛ لاختراع طُرُق تجاريّة تبقيهم كمُستَهلِكين لحضور اسمك وصورتك بينهم!، وبهذا تكون قدّمتَ نفسك كسلعة، مجرّد سلْعة!.

 

ـ والسُّلْعة قد تبرق في إعلان، وغالبًا ما تكون شخوص دعاياتها مبتسمة: مَكْمَن الأسى أنّه ما مِن سلعة يمكن لصاحبها أن يشعر بالرِّضا إلّا زيفًا!.

 

ـ أمّا الرِّضا الداخليّ عن الذات، وعن الناس حتى لو استغنيت عنهم وبالذات لو استغنيت، وعن الحياة حتى لو افتقرت إلى بهارجها، وبالذات لو افتقرت "راجع كلمة بهرج في القاموس!"، فلا يمكن تحقيقه بغير الجودة، بغير أنْ تشعر أنّك جيّدٌ فعلًا، أنّك تُشعّ من الداخل، وأنّك تُشع لأن الله نفخ فيك من روحه، والله نور السماوات والأرض.