كل كتاب لأدواردو غاليانو: عالَم!. كل سطرين أو ثلاثة: كَمْشَة فقير لحبّات ملَبّس!، والإيقاع كلّه آثار خَطْو حَمَام على رمل!.
ـ كل مؤلّفات غاليانو جَلّابة مَسَرّات، تجلبها حتى، وبالذّات، من قلب الحسرة!. كذلك الأمر بالنسبة لكل ترجمة ممهورة باسم صالح علماني، فما بالك بهما حين يلتقيان؟!.
ـ اليوم يمكنني هضم حزنٍ ما، ذلك الذي رمتني به الصفحة "7" من كتاب "صيّاد القصص"، حيث بدَأَتْ كلمة الناشر الإسباني بخبر وفاة غاليانو في 2015. اليوم وبما أننا في مطلع سنة جديدة، سأُوجِد الحل، وعلى طريقة غاليانو الساخرة: بما أنّ القلب توقّف عن الخفقان في إبريل، يمكن لي اعتبار الأمر كذبة!.
ـ أحَبّ غاليانو كرة القدم، كما لم يفعل كاتب عبقري آخَر. أشهر كتبه "كرة القدم في الشمس والظّل"، الذي لم يبق أحد ممن قرؤوه من أهل الصحافة، لم يسرقوا من عباراته، أو يسترشدوا بها، فإنْ سألْتَني عني قلت: وأنا منهم!.
ـ بعض كتب غاليانو، تُقدّم على أنها رواية، ويكتب ذلك على غلاف الترجمة، لكنني لم أقرأ له رواية قط، دور النشر تكذب لمزيد من المبيعات، يفعلون ذلك لأن سوق الرواية عامر هذه السنوات، ولو كان سوق الشعر أكثر وَهَجًا لتم تصنيفه شاعرًا!. وهو إلى الشعر أقرب!.
ـ كأنما كل كتب غاليانو كتاب واحد، من كرة القدم، إلى أفواه الزمن، إلى مرايا حيث ما يشبه تاريخًا للعالم، إلى ذاكرة النار "سفر التكوين، قرن الريح، الوجوه والأقنعة"، إلى كلمات متجوّلة، إلى أبناء الأيام، إلى الأغنية التي لنا، "هل نسيت شيئًا؟"، حسنًا، إلى صيّاد القصص، كلّها كتاب واحد، ولا شيء فيها تُمَلّ قراءته!.
ـ لا كتابة، تقريبًا، تتخطّى صفحة، صفحة وأسطر من التالية بالكثير، يستدرج فيها غاليانو الدنيا كلها، عبر حَدَث تاريخي، بسيط وبعيد، يكون الحدث موثّقًا من قبل، لكن غاليانو يعيد صياغته بالمعلومة ذاتها، ومن خلال إعادة الصياغة يمنحه بُعْدًا كونيًّا، ويطير به كموسيقى يمكنها التأثير في الجميع، كأنها خُلِقَت لكلٍّ منهم على انفراد!.
ـ أحيانًا، أقوم بلعبة، وفيها أُقسِّم بعض كتّابي المفضّلين إلى كائنات أخرى، وقد تكرر كثيرًا تخيّلي لهم كعلامات الترقيم أو التشكيل الكتابيّة، لابن عربي شكل التنوين!، للجاحظ كما للعقّاد شكل الشَّدَّة!، ويأخذ أبو حيان التوحيدي مثل رولان بارت، شكل الفاصلة!، طه حسين يأخذ شكل علامة استفهام!، ومن حين لآخر تتغير الأدوار والأشكال. يبقى للمتنبّي شكل النقطة، ولا شكل لغاليانو غير علامة التعجّب!. فإنّ تخيلتهم طيورًا صار غاليانو نقّار خشب!.