نظل ننتظر جميعًا، حالمين بوثبة نحو طقس أقل جحيمية من هذا، منذ أن عُدت من أمريكا هذا الأسبوع، لا أجد في نفسي حافزًا لإشعال أغنية فيروزية ليتّقد في رأسي صوتها: "بدّي أرجع طفل صغيرة ع سطح الجيران". أي سطح في الرياض تريدين أن تغني فوقه يا فيروز؟ ما دامت الشمس بحممها..
تدفع الوجوه لارتداء التقاسيم الناقمة، وتدعنا ننسى ما يخاطب نفوسنا ويعبئها بنشوة الهرب من واقعية اللحظة. امتعاضي من قيظنا ليس طفوليًّا، فيما لو حدّقنا على الأدب العالمي نجد النقاد يكتبون بخطوط عريضة: "لولا ليل الشتاء الطويل، وصقيع وزمهرير روسيا لما تسمّر..
دستوفيسكي وتولستوي على كرسييهما، وكُتبت كل هذه الروايات الضخمة والخالدة". أي لا مناص أن الإنسان يتشكّل ليس وحسب على مفاهيم دينه وثقافته المعيشية، فالحلات الكونية بقدوم القمر وأفوله، ثم فرض الشمس هيبتها بإثبات ذاتها عبر أشعّتها الحارقة على حساب صفاء أذهاننا، غير عابئة برغبتنا في ممارسة الحياة. ولا يسعني هنا إلا تقديم الشكر الجزيل إلى الإنسان السعودي لمحافظته على الحدّ الأدنى من الشغف، لما يجعل عالمه محفوفًا بحيل تجعل موسمه الصيفي لا يتضاد مع تعاطيه الفرح والفن، فإن المضي مع الأيام خارج بوابة فصل الصيف، دون أن تصاب حالاتنا النفسية بتشوه دائم، أو أن تنكسر علاقتنا مع أحدهم بسبب خلاف ما، هو انتصار عظيم. وباسمكم واسمي أطالب بكامل صوتي وأصواتكم بابتكار حل واستنباط وسيلة للحفاظ على الإنسان الجميل بدواخلنا قبل انصهاره؛ لأنّني بحاجة إلى أن أسمع لفيروز مجددًا.