|


No Author
لا يوجد عملاق بداخلك - فهد بن علي
2017-08-06

أعزو تقبل عامة البشر واحتفاءهم بمدربي تطوير الذات، هو لسبب شعورهم ـ مثلي ـ بالملل في سكننا الدائم بأجسادنا وعقولنا، فبربكم ما الذي استفدناه من العراكات والنزاعات الدائمة والمتجددة داخلنا؟ تلوح أمنية في فضاء أحلامنا فكرة أن نتغير جذرياً، ونرحل عن ذواتنا مهاجرين عنها غير مأسوف عليها، فنهرع حينها كي نتشبّث بصورة استغاثية في أولئك الذين يدبّجون علينا الكتب ويعتقلون آذاننا مثرثرين عن إمكانيات سلخ أنفسنا وإعادة خلقنا من جديد. في اليوتيوب تجد "مدرب تطوير الذات" الأكثر مشاهدة، في المكاتب العامة "كتبهم الأكثر مبيعاً"، وأنا بدوري أقدّر وأحترم وأجل موقف الناس من ذواتهم بأنهم "ما هم طايقين أنفسهم".

 

وعلى حسب تحليلي العقلي حول هذه الأزمة، عقلي الذي عُرف بالمنطقية والنباهة والدقة التحليلية بشهادتي أنا عليه، أرى أن الخلط نجم من الثورة التقنية الحديثة التي جعلت موضوع تطوير الذات يطفو على سطح حياتنا مثلما يطفو الزيت فوق الماء، فلسنا أجهزة تقنية كما توهّمنا أن مقدورنا تحديث نظامنا الخُلقي، مثلما نحدّث نظام جهاز الآيفون مثلاً، نحن الإنس نحمل نُظمًا قديمة، وإصداراً ثابتاً، أقبل سعي الأفراد الحثيث بالغرق في مشاريعهم الخاصة وتحسين وجه حياتهم إذ كان شاحباً، وذلك يأتي باستثمار أوقاتهم على نحو معقول، لكن قفزاتنا البهلوانية لحظة أن تلفحنا رقّة هواء الهرب من ذاتنا، لن تدوم، وسوف تكون نتيجة الوثبة النهائية ارتطامة لا محالة.. الذي يتحمّل الصدمات النفسية الآتية للضحايا الذين ابتلعوا الكذبة مؤقتاً، لا محالة هم المغالون في "تطوير الذات"، فأنا لا ذنب قد اقترفته بسماعي محاضراتهم، وما هي خطيئتي لتبني خطابهم؟، كانوا يهتفون بمسامعنا: "أخرج العملاق الذي بداخلك". وقد لفّني شعور بعد مضي الأعوام، أنه ليس بداخلي سوى طفل أسمر وعارٍ، وقد يبّس شفتيه الظمأ.