|


No Author
أُشكك - فهد بن علي
2017-08-10

أمد أصبع سبابتي مشككًا بحقيقة أن الإنسان قد وطئت قدماه القمر، رغم أن أقصى معلوماتي بعلم الكون لا تتخطى معلومة واحدة، هي عدد كواكب المجموعة الشمسية الثمانية. وبكامل ثقافتي التي لن يمس وقارها وثقتها عدم معرفتها بأغلب رؤساء ووزراء خارجية دول أوروبا، أبدأ أيضًا بحمل سبابتي الشاكة والمرتابة لأديرها نحو السياسة، قائلًا رأيي ـ بصوت ثابت لا يمسّه الريب ولا يتقاطع معه التردد ـ: "تلك الحكومات الأجنبية هي وراء إنشاء تنظيم داعش". في حالة مثلًا ـ لا قدر الله ـ إيماني بحقيقة وصول الإنسان إلى القمر، وبتصديق ما يؤمن به العالم، كيف يتسنى لي بعد ذلك عرض فطنتي عليكم؟ منذ أن قتلنا قيمة "الشك" الحقيقية المتمثلة باستفزاز العقل، متوجبًا عليه طرق أبواب البحث للحصول على إجابة مطمئنة ونهائية. غدت المساحة فسيحة لممارسة الشك المائع الجديد على المقدسات والعادات والتقاليد، وبزغت هذه الفكرة البدائية بخوائها، وتعاظمت مع وجود شباب متحفّز على إثباتهم امتلاك عقول بيولوجية مختلفة، خصّها الله بخصائص حرمها البشر كافة واصطفاهم بها، دون أن ننهل مثلهم من لذّة سرعة استيعابهم وعرض إدراكهم. 

 

رفض تصديقهم الدائم ذاك الذي يشهرونه بوجه جميع القضايا وأمامنا وأمام الشارع الأسفلتي والأرصفة وأعمدة الإنارة، إنما كي يؤكدوا لأنفسهم إحساسهم بالوعي، متوافقين زمنيًّا مع عالم حديث يتكئ على لحظة قائمة ليس مؤمنًا بغيرها، هنا على الأرض الجديدة تتدحرج الوتيرة متسارعة؛ فبات غير المهم فيها مدى صدق حبّنا بقدر شعورنا بالحب، غير مهم فهمهم بقدر شعورهم بالفهم؛ ولأن هذا الشك الاجتماعي الحديث يوفّر ثقةً مفرطةً في نفوس المتقاعسين ذهنيًّا والراغبين في الوجاهة العقلية؛ بسبب ما يبثه الوهم فيهم من حتمية تميّز عقولهم عن الآخرين، إضافة إلى مزايا جمة، تقتصد عليهم وقت البحث وعناء الفهم، وتجلب معها عيون الناس المعجبة جراء عدم تصديقهم حقائق عاجزة لافتقار حججها وبراهينها اختراق عقولهم السميكة. ولئلا يفوتني الفوز بتصفيق كفوفكم والدخول في هالات إعجابكم ولهفتكم بتتبعكم لي، من الحسن أن أرمي شكوكي العمياء أيضًا، التي ورغم تشجيعي المتيم للنصر ـ والدليل متابعتي مباراة واحدة له في الموسم الماضي ـ أفكر جديًّا في التشكيك بعالميته، وأحقّية وصول الهلال لولا سوء طالعه.