حين نطلب سيارة كريم أو أوبر، بمدينة تمد أطرافها إلى الأقاصي، وتضرب بطولها في الأرض مثل الرياض، رغمًا عن ذلك تصل المركبة إلى أي وجهة نريدها.
وبمجلس صغير في ذات المدينة "الرياض"، حين نطلب "أوبر وكريم" كقضية نتسلى بمناقشتها لا كسيارات، سيتعذّران إيصالنا لوفاق، ونفقد وجهة الحديث سريعًا، وربما يقرع أحد الجيران الباب طالبًا خفت أصوات جدلنا التي وصل مداها إلى جميع نقاط التفتيش للخارجين من الرياض إلى مدنٍ أخرى، وأظن ـ وأظن أيضًا أن ظني هذا ليس آثمًا ـ بأن قضايانا أكثر عشوائية من أي مدينة في العالم، ولو استخدمنا سيارات "أوبر وكريم" وتكاسي مدن وطننا الغالي للوصول عبرها إلى حلول تقبل بها شرائح المجتمع لن نصل، استنتاجي الفارط يحثّنا على ترك خرائط المدينة في "جوجل ماب" قليلاً، ويدعو شد الرّحال إلى إعادة تخطيط وتمهيد قناعاتنا في رؤوسنا أولاً، وهناك ـ أي برؤوسنا ـ نعيد بدورنا تذكّر بعض البديهيات قبل أي تطوّر أو قفزة حضارية، أن نقول في هذا الوقت مثلاً: من يطلب مركبة في هجير الظهيرة تحت أشعّة شمس ترمي ضوءها بكل الزوايا والمساحات، سيحاسبه الله مثل من يطلبها في ليل دامس، نعجز فيه عن تمييز وجهه ووجهته. وإن اللغط الاجتماعي شرع بدورانه منذ ظهور التلفاز والهواتف المنزلية مرورًا بالإنترنت والهاتف العجيب الذي يحمل كاميرا في ظهره، وصولاً إلى أجهزة الأيفون والجالكسي، مستخدميها جميعًا بشكل تمويهي للحديث عن "شرور أنفسنا" التي قد تظهر في حال اقتنائنا تلك الأجهزة المسكينة، التي بات ذنبها الأوحد هو نوايا بعضنا المبيّتة استعمالها بنحو سيئ. لم يحدث وقد ارتعد أحد خيفةً من "الجوال أبو كاميرا"؛ لأنه ببساطة لا يحمل طلقات نارية في جوفه، كان جمعًا بشريًّا يصرخ وحسب، لأنه لا يراهن على استقامة ذواتنا وينظرون بارتياب إلى أخلاقياتنا جميعًا، لكن مضار وسائل النقل ووسائل التواصل الإلكتروني بزغت بحجم طبيعي مع مسحها وتمشيطها للمخبّأ فينا، والعلاج لا بمنع الهاتف الأرضي الذي كانت تتحدث فيه جدتي مع شقيقتها، ولا بإطفاء التلفاز من أمام أمي المنصتة إلى روائع "مصطفى محمود"، ولا بقطع الرزق لرب أسرة يخرج مجهدًا من عمله ليعمل مساءً تحت غطاء شركة توصيل، ثم يعود إلى منزله بلعبة تستقبلها ضحكات بهيجة تهرب من فم طفله. الدواء الوقائي للانحرافات السلوكية النادرة والطبيعية تمامًا، يكمن في إصلاح التربية وتقويم اعوجاجات سلوك أبنائنا. وسؤال المرحلة ـ يا رعاكم الله ـ هو: لمَ لا نتخلى قليلاً عن جحودنا الأحمق لفضل وسائل الحياة الحديثة ما دامت تبسّط حياتنا، ونقف قليلاً عن شتمها كوننا أدمنا استعمالها بإفراط أو لإمكانية أبنائنا استخدامها بصورة خاطئة، ومع عذري للست "أم كلثوم" على التحريف، أقول كما أنشدت يومًا: "العيب فيكم يا بحبايبكم أمّا (أوبر) يا روحي عليه".