لدي هوس صغير بما تحبسه الكاميرا في عدستها، وأتتبع لأجل شغفي المواقع الإلكترونية للمصورين العالميين وصفحاتهم التواصلية الخاصة، سائلاً نفسي بعد كل ما رأيته من صور الوجوه والملامح المعبّأة بالحزن تارة والرضا تارةً أخرى: لمَ يدفعني الحرص على رؤية نتاج المصورين الحديثة؟ ولمَ عقب مشاهدتها أشعر بمتعة خفية تشفّها بهجة غامضة؟ رست ظنوني على جزم قاطع بأن الصورة الفوتوغرافية قد راجت بيننا؛ لأن الناس لم يعودا يشبهون الناس، وعلى أثرها يرحل المصورون العالميون إلى إفريقيا وأطراف آسيا؛ ليفوزوا برؤية بشر عاديين، وإن كلّفهم ذلك قطع المحيطات ومشقّة السفر.
وأزعم أن لو كانت تدرس بجواري زرقاء اليمامة في المرحلة الابتدائية وأخبرتني مستعينة بعينيها الثاقبتين، ماذا سيحل علينا في طالع الأيام المقبلة، سوف تكون وقتها إجابتي مغايرة على سؤال الأساتذة الشهير: ماذا تريد أن تصبح حين تكبر؟ بإجابة حازمة سأقول: أريد أن أكون عاديًّا. مجد العادية أي ألا تكون مسمارًا مهمًّا في آلة المجتمع، إذا تعطّلت كالوك بالذم، وتنبّهوا لك عبر الآلة التي توقفت بسببك، ويكفي مزيّة من مزايا اقتعادنا الهوامش هي الكف عن عته قفزاتنا الحالمة أمام الوجوه من أجل عرض ما لدينا.
ربما استيعابي لمسألة قصور تجارب البشر الحياتية، ألهمني بصورة مفرطة التلصص على ما ينتجه الكتاب والشعراء والرسامون والموسيقيون، أولئك المالكون لنصف جمال ونصف دهشة القابعين في الدرجة الثانية ببلدانهم، إذ كل المجتمعات ودول كوكب الأرض المحيطة حولنا لديها صف ثانٍ يقصد ويغنّي، ونحن المستثنون بامتلاكنا درجة ثانية وثالثة ورابعة من المدّعين حيازتهم فرادة الموهبة.
ويا أيتها السيدات وأيها السادة، إن خشبة المسرح مزدحمة فانزلوا قليلاً إلى كراسي الجماهير، داعيكم إلى الدخول معي إلى حزب الذين لا مواهب لهم ولا توجهات فكرية يمتطونها، ليس زهدًا، لكنني أحمل ظن أن الثياب الواسعة والأحذية الكبيرة التي نتلهّف زيفًا بارتدائها، ربما لن تسقطنا في الخطوة الأولى، لكنها ستوقعنا حتمًا في الثانية.