قبل أسبوع في إحدى طرق جدة، بينما أعلنت الإشارة المرورية ضوءها الأحمر، وقف شاب قِبال السيارات ثم بدأ بالرقص. حينما رأيت الفيديو ـ الذي بات شهيرًا ـ تقدّم الطفل الكبير أو الشاب الصغير، ثم أمر جسده الممتلئ نسبيًّا بالاهتزاز، تذكّرت فورًا مع إيقاع رقصته "رواية" دفعتها جانبًا قبيل أسبوع، إذ حال بيني وبين إتمامها طقس مزاجي المتعكّر والغائم جزئيًّا، ببداية رواية "شرق المتوسط" أتت الجملة الأولى: "أشيلوس، تهتز، تترجرج، تبتعد"، بعدما رأيته في الفيديو "يهتز، يترجرج، ويبتعد"، طفقت أبحث عن الرواية، وقبيل أعرف ما هو مصير "أشيلوس" ـ اسم سفينة ضخمة تمرق وجه البحرـ، عرفت مصير "الشاب"، فقد تم احتجازه من قبل الجهات الأمنية. أظن سلوك التعدّي على روح الأماكن العامة يتطلب لفت انتباه..
فهل الحجز عقوبة غليظة وقرار مفاجئ على ذلك الشاب؟ بالنسبة لي أظن الجواب: ليس مفاجئًا، رغم أمام أعيننا وعلى مسامعنا أحيانًا لا يقف بعضهم عن التعدّي على حرمة الأماكن العامة، بل يتم إهانتها بتلفظ كلمات لا أخلاقية وبارتداء ملابس مبتذلة، دون أي جهة تنفيذية تستنفر أمام هذه الظواهر، كما تم مع الصبي، لكن تعود جريمته الكبرى وجنحته التي بنظري لا توبة بعدها، هو للفظ مصطلح "رقص"، الذي أتى مُعنونًا لمقطع الفيديو، إننا نحن نحمل عداءً عصيًّا على فهم أسبابه نحو "الرقص"، لو لمرّة واحدة فكّرت الذهاب إلى قاعة زفاف ورأيت جموعًا ترقص: "الخطوة الجنوبية" أو "الدحة"، أو حتى قفزات صفوف "المحاورة"، وقررت التعليق عليهم بصوت مسموع: "إنها رقصة جميلة"، لن ينالك حظًّا طيبًا، وسوف تلحظ سريعًا كدمات متورّمة تحتل جسدك.
حتى مع اكتمال شروط "الرقص" في أغلب فلكلور قبائل المملكة من إيقاع وتناسق جسدي وتحرّك الأعضاء، إلا أننا نحتجب خلف مصطلح آخر مثل "لعبة"، نحن نلعب الخطوة الجنوبية ونلعب كل شيء ومعاذ الله أننا نرقص، كأن ما نفعله أبدًا ليس رقصًا بمجرد تبديلنا للمصطلح. وبعد شكري للشاب على تذكيره من خلال رتم رقصته للرواية التي ابتعدت عنها زمنيًّا، أُسدي إليه نصيحة الرد على سؤال فعلته: هل كنت ترقص في الشارع؟ بأن يجيب عنه: لا، قد كنت "أترجرج" وحسب. ضامنًا له بهذه الإجابة الساحرة البراءة والعودة إلى أحضان والدته، في ظل مجتمع يتلاعب بمعاني الألفاظ ويحرّف المسميات؛ لأنه حاول وفشل كتم غرائزه الطبيعية، سعى وخسر الامتناع عن ممارسة سلوكياته الإنسانية الطبيعية مثل الرقص والغناء. وأظنه خيارًا أخرق كوننا رحنا نثأر شكليًّا وبصورة طفولية صوب اللغة؛ لنتلاعب بمعاني الألفاظ ونحرّف المسميات.