|


No Author
من يصدم الآخر؟ - فهد بن علي
2017-09-07

اعتاد البشر أن يأخذهم الزمان ـ غفلة ـ ويوصلهم إلى أعتاب العمر، وحينها بالمحطات الأخيرة يبدؤون بالارتكاء جسديًّا على عصا، ويستندون عاطفيًّا على الذاكرة، عبر سرد قصص تأتي من حيوات عديدة عاشوها بحياة واحدة، ويبدو أنّي أيضًا وصلت لمرحلة استجلاب الذكريات مبكرًا. حينما وصلت إلى أمريكا قبل سنوات مع عبدالمحسن ـ أحد أقاربي ـ انتظرنا وترقبنا بلهفة أن "نُصدم حضاريًّا، لكني كنت أتحدث مع عبدالمحسن باستغراب وتململ حيال عدم مجيء هذه الرعشة الكونية، التي قالوا ستراها أعيننا وتحس بها عقولنا بعدما نصل إلى بلد مناقض تمامًا لما هو عليه في بلادنا، 

 

اكتشفت مؤخرًا أننا لم نُصدم حضاريًّا لأن الحضارة نفسها هي من انصدمت منّا بحقيقة الأمر. ولا أعني هنا تفوّق الإنسان الغربي في سلوكه وعاطفته، إن جلد الذات على نسق دائم وطفولي في عقل مجتمعاتنا العربية، أحدث تمجيدًا ساذجًا للإنسان الغربي، بينما له من المثالب ما يخلع عنه إنسانيته أحيانًا. فقط ما أشير نحوه أنه لا تتضح الفوارق ولا ننتبه إليها إلا بعد تمازجنا مع أبناء حضارات وثقافات متفرّقة، باتت فرصة ثمينة لي ولغيري للاكتشاف والمقارنة والتحليل و"التفلسف الزايد". 

 

ومن هذه الاكتشافات، يلتهب حنقي تحديدًا حينما نسخر من ثقافة الإنسان أو المجتمعات والتندر منّها، وذلك ما اعتدنا ممارسته دائمًا، فحينما نسافر للبعيد تكون مساحة ممتدة أمامنا لممارسة ـ خفّة دمنا ـ التي ننسى أخلاقيًّا بأنها عمل دنيء أن نمخر بين الآخرين ـ في أرضهم وبين جماهيرهم ـ حاملين معنا تعليقات ضاحكة عليهم فقط لأنهم لا يشبهوننا.

 

 عطفًا على الإشارة إلى ضيق مداركهم والتلميح إلى سذاجة فهمهم، أذكر جاءنا أحد السعوديين منتشيًا بشعور ساخر تجاه أحد الأمريكان؛ لأنه لم يعرف كم هو عدد الولايات الأمريكية رغم أنها بلده، وحينها سألته: كم عدد المناطق الإدارية في المملكة، تلعثم ابن جلدتي مبهوتًا دون أن أنال إجابة صحيحة. لدينا مزايا غزيرة وأخلاق سامية؛ فتطوّر المجتمعات والأفراد أمر طبيعي، وآمل يأتي الزمن الذي نكون به جزءًا من العالم، أي ألا نصاب بهزة حضارية، ولا نهز أو نهزأ بأحد أو حضارة.