قريبًا، ستأكلنا التكنلوجيا، هذه الأجهزة التي اشتريناها لنستخدمها، صارت هي التي تستخدمنا، وتقريبًا باعتنا في السوق للمعلنين، وفي الهواء للمهرّجين!.
ـ بَدَأتْ الأجهزة متشابهة، شكلًا وخدمات، كنا نحن المختلفين، كان السؤال: "هذا تلفونك أو تلفوني"؟!، فجأة صارت الأجهزة هي التي تريد التعرف علينا، بالبصمة أو بصورة الوجه!. ومن الواضح أنها نجحت في جعلنا متشابهين، وللدّرجة التي يصعب معها حتى على هذه الأجهزة التعرّف علينا فعلًا!.
ـ أحيانًا تضع بصمتك فلا يستجيب الجهاز، وقد لا يتعرف على ملامح وجهك، صار تحققه منك أهم من تحققك منه، ليست هنا الكارثة، الكارثة أنّ تحققك منك صار موضع شك!.
ـ القراءة، قراءة الكتب، تفعل الأمر نفسه لكن بطريقة رائعة ولغاية نبيلة، هي أيضاً تجعل من مسألة تحقّقك منك ذات شكوك، لكنها شكوك مضيئة، يتدفق معها حوارك الداخلي مع ذاتك، بما يتجه لتأكيد هذه الذات، ذلك ما يفعله الاهتزاز الداخلي من أثر القراءة، في حين يتجه اهتزاز أجهزتنا المحمولة إلى فعل مناقض ومريب: الإلغاء والمحو، إلغاء ذات كل واحد منا ومحوها!.
ـ ليست الخصوصية فقط هي التي في طريقها إلى التلويح بوداعنا، الفرديّة وهي الأهم في طريقها إلى الزوال، وهنا يكمن الفرق بين جهاز وكتاب، فالكتاب لا يسعى إلا لتأكيد هذه الفرديّة!.
ـ الكتاب جوّال، كل كتاب جيّد، يملك إمكانيّة التجوال بك، لكن الجوّالات ليست كتبًا: مجرّد لُطَخ على جدار!.
ـ كلّ توجّه يجعلني سريع الحكم على الأمور، قليل التأمّل فيها، قابل لانبثاقها من اللا شيء وذهابها إلى اللا شيء، هو توجّه ضد صحّتي العقليّة والأخلاقية والجماليّة!.
ـ على الأقلّ، وهو قليل كثير الأهميّة، فإن أهم ما تغيّبه الأجهزة، وتستحضره الدفاتر، هو الحنان!.