|


فهد عافت
على طَبَقٍ من خُطَب!
2017-11-07

 

يحدث لصيغة التفضيل، شديدة العاطفة، أن تُسيء إلى من نريد تفضيلهم على بقيّة الناس!، أو ما نريد تأكيد تفضيله من الأشياء و الأعمال على بقيّة الأشياء و الأعمال!، لا ينجو من ذلك إلا عدد قليل من الناس والأشياء والأعمال!،.

 

ـ مثال بسيط، و ليكن رياضياً: أحب ماجد عبدالله كثيراً، و هو لاعب نادر الوجود، رائع، ولديه من المهارات ما يفوق وصفي، و قد أسعدني و أسعد كثيرين مثلي، نعم يمكنني قول ذلك، وأكثر، لكنني ما أن أصل إلى القول بأن ماجد عبدالله هو أعظم لاعب كرة قدم مرّ على هذه الدنيا، أكون بعاطفتي الجيّاشة هذه، قدّمته للإساءة إليه على طبقٍ من خُطَب!،.

 

ـ ذلك لأنني فتحتُ باباً واسعاً لمقارنات، ولحضور نماذج وشخصيات رياضية أخرى، لا يمكن لتفضيلي المشحون بعاطفة جيّاشة المشاعر الصمود أمامها وقتاً طويلاً!،.

 

ـ وأكون بسببٍ من عدم قدرتي على ضبط انفعالاتي العاطفيّة، قد أسأتُ إليه فعلاً، أولاً لأنني أتحتُ للآخر المعترض باباً واسعاً من الأدلّة والاستشهادات القادرة على هدم قولي، و ثانياً لأنني سمحتُ للوجدانيات أن تحل محل الأرقام، و بما أنني سمحت بذلك لنفسي، فأنا و عن طيب خاطرٍ أم عن غيره مجبر على تقبّل وجدانيات مُغايرة في الردود والمناقشة، و من الصعب حينها أن يكون الأخذ و الرد عقلانيّاً!.

 

ـ غياب التأطير آفَة!،.

 

ـ كان يمكنني تأطير المسألة بالقول مثلاً، أن ماجد عبدالله أحد أعظم من رأيتهم في الملاعب، و بكلمَتَي “أحد” و “من رأيتهم”، أكون قد أطّرت المشهد، و حصّنت رأيي، و نَجَوتُ بلاعبي المفضّل عن انفلاتات عاطفيّة قد تسيء إليه!،.

 

ـ و ما ينطبق على ماجد ينطبق على الثنيّان، و على آخرين، بل على كل من يفضّله وما يفضّله أي واحدٍ منّا، ثم لا يكون حريصاً على قياس مشاعره في التعبير!.

 

ـ قد يُزعجنا التأطير، وهو يفعل ذلك بجلاء، كلّما افتقرنا إلى الكلمات المناسبة، و كلّما قَصُرَتْ علاقتنا مع اللغة على القِشْرَة و السطحي منها و فيها!،.

 

ـ معنى أن تكون المحبّة واسعةً، مُشرعة الأبواب، لا يعني تسييل العاطفة عبر اللغة إلى ما لا حدّ له، مثل هذا الشكل في أي حوار و نقاش، يبدو من الخارج فقط رحباً و ودوداً، هذا إنْ بدا!، لكنه في حقيقته قمع، و إنْ كان عاطفياً، للآخر المغايِر ذوقاً و فهماً و تجربة و لغة، و حرمان لشواهده من الحضور!،.

 

ـ أنْ تكون المحبّة واسعةً، مُشرعة الأبواب، تستلزم إطاراً للصورة و للتصوّر، إطاراً يحمي رؤيتنا من التسيّب، مثلما يسمح لعددٍ من الرؤى الأخرى، الدخول إليها، و التلاقح معها، بما يحقق ثراءً فكرياً وعاطفياً، لها و بها و للآخرين و بهم!.

 

ـ التأطير لا يعني التقليل، ولا يجب عليه فعل ذلك، و لنرجع لماجد عبدالله حيث مثلنا في هذه المقالة: فيما لو قلت أن ماجد عبدالله واحداً من أفضل عشرة آلاف مهاجم، أكون قد أطّرت بطريقة انهزاميّة، و الرحابة هنا ليست سوى تضييق جبان!، لقد تم التأطير بما لا يسمح للمشهد أن يكون مؤطّراً حقاً!، فأنا و الآخر الذي أتحدث معه و إليه بالكاد يمكننا رؤية المزايا في هذه الساحة الكبيرة فوق اللازم والتي تضم عشرة آلاف لاعب في خانة واحدة!،..

 

ـ لو قلتُ هو الأفضل من بين مائة مهاجم في الدنيا، أكون قد اقتربت من الإطار الذي يسمح للأخذ والرد برحابة أكثر، وأجهضتُ تقريباً كل إمكانيّة للتشنّج!، يمكنني تغيير شكل الإطار و تغيير مساحته، ربما إلى أن أصل إلى أنه الأفضل ضمن العشرة الأوائل، لكنني و في كل مرّة أكون و من خلال تأطيري منّاحاً للآخر فرصاً للهجوم أو التهجّم!.

 

ـ و المسألة أكبر من التفضيل الرياضي بكثير، و أعمّ، و لذلك هي أخطر!.