همست زوجتي في أذني ذات مرة كنا نتسوّق في أحد متاجر بيروت، تخبرني بأنّ هناك عائلة يبدو أنها من السعودية، وكانت العائلة مؤلفة من الوالدين وصبي وصبية في مقتبل العمر، وكانوا يشيرون إليّ، وكان الصبي يطلب من والده أن يحدثني في أمور الكرة السعودية، وكنت في ذلك الوقت أقدّم وأعدّ برنامج "قضية الأسبوع" على شاشة الفضائية اللبنانية LBC، ذلك البرنامج الذي كانت مواضيعه محصورة حول الكرة في السعودية، وطلبت زوجتي مني أن أبادر أنا إلى تحيّتهم "لأنّ الصبي كان يلح على والده أن يتحدث معي...".
ولكن الذي حصل أنّ الفتاة هي التي بدأت الحديث معي وطرح الأسئلة، ثمّ تلتها الأم ثمّ الفتى، وأخيرًا الأب الذي قال إنه يحمل لي كلمة شكر منذ سنتين، لأني أنصفت حمزة إدريس ودافعت عنه، بعدما كاد الإعلام السعودي أن ينهي حياته في الملاعب، حينما أهدر ركلة الجزاء الشهيرة في بطولة آسيا في لبنان عام 2000!!!
وذات مرة، وفي ملعب الملك فهد الدولي، وخلال مباراة كبرى لمنتخب السعودية، أعتقد أنها كانت في كأس القارات، كانت زميلتي في مجلة "الوطن الرياضي" سوسن السيد هي الأنثى الوحيدة بين أكثر من خمسين ألف متفرج، وكان يقف إلى جانبنا صحفي صيني يجيد التحدث باللغة العربية الفصحى، فعلّق على المشهد قائلًا: "وردة بين الأشواك!".
مشهد غير مألوف في السعودية وحدها ربما، وهو أن تشاهد امرأة مباراة لكرة القدم من مدرجات الملعب، تمامًا كما كان مشهدًا غير مألوف أن ترى امرأة في السعودية تقود السيارة.. ويحضرني في هذه العجالة، موقف للأمير سلطان بن فهد، حين طلب مني، على هامش المباراة الودية بين المنتخب السعودي ونظيره البرازيلي، التي حصلت الـ LBC على حق النقل الحصري لها، أن أطلب من مُخرج المباراة "قل له إنّ ذلك طلب شخصي من أخيه سلطان" وهو ألّا يركز الكاميرا على زوجات المسؤولين عن المنتخب البرازيلي"، واللاتي كنّ سافرات بالطبع.
الآن، لن يصبح تواجد المرأة وراء مقود السيارة مشهدًا غير مألوف، وربما الطائرة مستقبلًا، وفي الأماكن الخاصة بالعوائل في مدرجات ثلاثة ملاعب رئيسة في السعودية، بعد قرار الهيئة العامة للرياضة بتخصيص واحد وعشرين ألف مقعد للعوائل في الملاعب الثلاثة، كما أنّ الفتاة السعودية التي تمارس مهنة الإعلام الرياضي ستدخل الملاعب مثلها مثل الإعلاميين الذكور، بعد إصدار بطاقات خاصة بالإعلاميات.
قبل هذه النقلة النوعية الإيجابية تجاه المرأة السعودية، كانت الهيئة العامة للرياضة قد خصصّت قسمًا للرياضة النسائية، وأوكلت مهام إدارته إلى الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، وكيل الهيئة العامة للرياضة والتخطيط والتطوير ورئيس الاتحاد السعودي للرياضة المجتمعية، وهذه الخطوات الانفتاحية والتقدمية تجاه المرأة، ستنعكس بالطبع إيجابًا في كل مجالات الإنتاج في السعودية، وذلك بعدما أزيلت عوائق عدة كانت تحول دون ذلك، فتتكرّس بذلك عمليًّا مقولة "المرأة نصف المجتمع".
والحق يُقال، إنّ فتح أبواب الرياضة أمام المرأة ممارسةً وإدارةً وحضورًا، ترجمة لخطة ذهب 2020 على المدى القصير، ورؤية 2030 على المدى البعيد، ومن الطبيعي أن يُؤتي ذلك أُكله بحصد الميداليات الملونة، وإن طال الزمن بعض الشيء، لا سيما وأنّ الحكومة السعودية قرّرت إنشاء أربع قرى أولمبية.
والحق يُقال، إنّ تركي آل الشيخ يعمل بحيوية وإخلاص، وقد أثبت أنّه لا يبهره من الألوان إلّا لون المنتخب الوطني، ولا ترهبه الخطوط الحمراء.. باستثناء اللوائح.