ـ تتحدث كثيرًا عن القراءة والقرّاء، كنّا نظنّك ستتوقف عن ذلك بعد مقالتين أو خمسة مقالات بالكثير، أَلَا تكفي خمسة؟!،..
ـ وأردّ: في يوم من الأيام، في لحظة من اللحظات، ظننتُ نفسي وحيدًا، أو أنّ لي في القراءة رفاقًا غير أنّ لكلٍّ منهم وِحْدَته، كم كان الأمر مُحبطًا، وهو حين يكون مثار سخريةٍ وتهكّم يكون أَمَرَّ وَقْعًا!،..
ـ مَرّةً، قال لي أحدهم متهكّمًا، وقد كنت أقرأ كتابًا في مقهى: "أَلَمْ تنتهِ من المذاكرة؟!، لن تصبح دكتورًا دون شهادة جامعيّة مهما فعلت!"،..
كانت الكلمات جارحة، لا أقرأ لنيل شهادة، ثم وليكن أنني أريد فعلًا التخلّص من عقدة عدم دخولي الجامعة، وماذا في ذلك؟، إنني في هذه الحالة أحاول حلّ العقدة بمواجهتها قدر الإمكان لا بالهروب منها، وبوسائل سلميّة وطيّبة، وغير مؤذية لأحد!.
ـ الأهم، أنني اليوم أريد، أكثر من أي وقتٍ مضى، الدفاع عن القراءة، ومؤازَرَة القارئ، مؤازرة قارئ ما، حتى لا يشعر بوحدة أو ضيم، وحتى يكون قادرًا على الدفاع عن نفسه وعن مسلكه، يكفيني قارئ واحد، تشعره كتاباتي المتلاحقة عن القراءة، بأنه محمي من التهكّم، وأنه ليس وحيدًا، وأنه قادر على الصمود دفاعًا عن هوايته، بل عن موهبته القرائية، فالقراءة موهبة!، وأعترف: أنا سعيد وفخور بمجرد هذا الحلم، ومندفع باستمتاع بسبب هذه الرغبة، فما بالك لو أنها تحققت فعلًا، ونجحت في مساعدة قارئ على أن يكون فخورًا بنفسه، على أن يحمل كتابه معه بزهوٍ في كل مكان؟!.
ـ الذين صوّروا القارئ على أنه مُعقّد، أو منفلت دينيًّا، أو قليل الاعتناء بهندامه وأناقته، ليسوا أكثر من جمع براغيث في حقل، هو لو أحرق تسع حبّات من البُنّ لأزاحت رائحة البُنّ المحروق ثلاثة أرباعها، وكل ما أتمناه أن أكون حبّة قهوة في مبخرة هذا القارئ!.
ـ والقراءة في جانب من جوانبها، عمل أخلاقي شديد النبل، فهي تُثمر التسامح والتّفهّم وقبول الآخر؛ لأنها تثمر قبل ذلك مصالحة رائعة مع النفس، وتفتح أبوابًا كثيرة للتّرقّي بهذه النفس!،..
ـ القراءة عطر وعلاج ولعب وفهم ومحبّة!.
ـ فإذا كان المسرح أبا الفنون كما يقولون، فإنني أقول: القراءة أمّ الفنون!،..
ـ أنتَ في القراءة ومن خلالها، لا تذهب إلى أمّك، بل تعود إليها!،..
ـ ويا لدفء الحضن وهَدْهَدَاته!، تُرى هل اشتُقّ اسم الهُدهُد السليماني من الهَدْهَدة؟!، وماذا عن الهدية والاهتداء؟!، وما لنا نحلم بخاتم سليمان، ولا نفكر في هُدْهُدِهِ؟!،..
ـ في كل كتاب جيد ريشة هُدهُد!