في المرحلة التي كان المنتخب السعودي فيها يبحث عن نفسه، كانت دائمًا أصابع الاتهام تشير إلى الأسماء التي يتم اختيارها من خلال إما التشكيك في أحقية بعضها أو القول بخطأ منهجية الاختيار، وكان ذلك يثير معه جملة من المشكلات الأخرى التي تعصف بطموح اللاعبين وتسمح لهواة الاصطياد في الماء العكر بممارسة ألاعيبهم، وبالتالي لا ينجح المنتخب في تحقيق شيء، فينشأ معه الاحتقان الجماهيري ويزداد الأمر سوءًا.
دائما أحب التأكيد على أن الوصول إلى المونديال هو "الأهم"، وأن تقديم صورة حسنة خلاله "مهم"، وليس العكس لأن المهمة المطلوب أن ينفذها أي منتخب كبير في قارته هو التأهل، لأن هذا يعطيه الأفضلية على المنتخبات التي تشترك معه في القيمة الفنية والبيئة الكروية، أما التنافس في النهائيات فهو مربوط بالوزن الكروي للقارة ككل، وهناك هامش متاح لفعل ما يتجاوز ذلك، وهذا تتحكم فيه ظروف كثيرة قد تتوفر مرات وتغيب مرات أخرى، ويحسب لمن نجح ولمن لم ينجح في كلتا الحالتين شرف المحاولة.
من أكثر ما يثار في مسألة اختيار من يمثلون المنتخب هو القول بضرورة البحث عن لاعبين من أندية الدرجة الأولى، وهذا منطقي من حيث إن الموهبة ليست حكرًا على الأندية الممتازة، لكن بعضهم ومنهم مختصون وخبراء كرة يبالغون في ذلك إلى درجة التأكيد أن في دوري الأولى والأدنى منه لاعبين يفوقون فنيًّا محترفي الدوري الممتاز، وأبسط رد على ذلك أنه لو كان ذلك صحيحًا لكان أول من استقطبهم الأندية الممتازة نفسها.
ومن أكثر ما يروج له بعض الزملاء الإعلاميين وغيرهم تعزيزًا لفكرة أهمية أن يدخل قائمة المنتخب لاعبون من أندية الدرجة الأولى، هو سرد لأسماء شاركت في إنجاز التأهل لأولمبياد لوس أنجليس والحصول على كأس أمم آسيا في 1984 أو حتى التأهل والمشاركة الناجحة في مونديال 1994. مع ذكر أنه تم اكتشافهم واستقطابهم من أندية تلك الدرجة، مثل شائع النفيسة والدعيع والمنصور وَعَبد الشكور وحمزة إدريس ومنصور الموسى وغيرهم، وهي معلومة غير دقيقة وربما مغلوطة أيضًا!.
ففي أعوام 81 و82 و83م التي سبقت مشاركتي "سنغافورة 84م"، كانت أندية الكوكب وأحد والنهضة والطائي من بين الأندية الممتازة، أو هبطت للتو ثم عادت، وفي أسوأ الظروف شاركوا في الدوري المشترك 83م؛ ما يعني أن جميع من تم اختيارهم تلك الفترة كانوا في الأصل تحت الأنظار، أما استقطاب حمزة ومنصور الموسى والطائفي وطلال الجبرين ومحمد الدعيع لتصفيات 94م، فقد كان حينها فريقا الرياض والنجمة في الممتاز وحمزة هداف الأولى 93 وناديه صاعد للممتاز في ذات الموسم. كما أنه أحد عناصر منتخب الشباب منذ العام 90، أما محمد الدعيع فقد كان منذ 89م حارسًا لمنتخب الناشئين الذي حقق كأس العالم بأسكتلندا.
صناعة لاعب يخدم المنتخب لا بد لها من محطات يكتسب فيها اللاعب ضرورات يحتاج إليها عند دخوله ضمن تشكيلة تشربت الكثير من الخبرات، وعايشت العديد من التجارب، ومرت بكافة الظروف التي جعلت منهم لاعبين يمكن لهم أن يفيدوا ويؤثروا في المنتخب، ذلك كله يمكن للاعب الأولى أو الأقل درجة أن يتمتع به، ولكن في مثل البيئة الكروية التي حصل عليها غيره.. الموهبة وحدها لا تكفي.