|


فهد علي
عن "الرشيدي" الذي يمزّق الليل
2017-09-24

 

 

للفنون السماعية علاقة قديمة مع أذن الإنسان هنا، وهنا تحديدًا في هذه البلاد بزغت أسماء شعرية شعبية لا حلّ لنا معهم إلا أن نتلقّف نتاجهم ونردده مع أنفسنا في خلواتنا، نحن نفاخر بين أصدقائنا وزملائنا بمدى حبّنا بـ: سليمان المانع أو فهد عافت أو نايف صقر أو مساعد الرشيدي.. 

 

والرشيدي الراحل ـ عليه رحمات الله ـ جعل الفنّ السمعي/ قصائده، بصريةً أيضًا وربما أتت هذه المزيّة لأنه استوعب تأثير غياب المسرح السعودي. مساعد يقول: "برقٍ رفيفه يقدّ الليل ويقرّه // من السما لين الثرى لين السماء ثاني"، يقف أمام حشد من الرجال ليخبرهم ما شاهدناه نحن وما رآه هو وحده، عيناه وحدهما في البيت الشعري هما من رأيا البرق يقدّ الليل أي "يمزقه"، وبربكم من غير مساعد يعيد زرّ المساء؟ أي "يقرّه". 

 

أظن الخطأ في مسيرة مساعد تناسيه خلق كريزما لنفسه، بينما ميزته أيضًا أنه تعمد ألا يخلق ـ كريزما ـ حضورًا شخصيًّا مفتعلاً، حتى بات حضور مساعد العادي هو غير عادي. 

 

ومن باب "اذكروا محاسن موتاكم"، لا مساحة كافية لذكر معظم قصائد الراحل، حيث إنها لا محالة داخلة في فلك "المحاسن"، لكن لا قدرة لي لتجاوز أصالة رجل يتسلق الزمن ويدق جرس الخمسين، ثم يقول بشطر شعري: "أبوي مبطي عن الهذرات وصّاني"، هل يتم تصنيفه "برًّا بالوالدين" أم "مرجلة" بعد هذا العمر أن يحجّم الإنسان نفسه، مذكرًا ذاته أمام الجموع بصوت مسموع ما أشاره له والده باتّباعه؟. 

 

والسؤال الأهم: متى يصدأ صوت الرشيدي في مدانا؟ لا أظن قريبًا ما دام حتى صوته يشبهه، يرفل وينعم بصفة الأصالة والشموخ. قال لي أحد الشعراء فيما معناه في نقاش قديم: "مساعد تسري الموسيقى والأوزان بعروقه ويعرفها وتعرفه قبل أن يولد"، لله ما أجمل المُنساب الذي انسابت روحه قبل قرابة نصف عام.