|


-
مجنون كورة!
-
2017-09-24

 

 

 

بدأت قطر منذ منتصف السبعينيات تلفت الأنظار من خلال اهتمامها بلعبة كرة القدم، حتى أصبحت أجهزة هذه الدولة لاحقًا مُسخرة لخدمة "الجلد المنفوخ"، وسط تحديات كبيرة تتعلق باستحقاقات التنمية في الدولة حديثة الاستقلال، ومازالت ذاكرة الخليجيين تحتفظ بالكثير عن تليفزيون قطر الذي كان قبلة لمتابعي المباريات العربية والعالمية!.

 

هذا الاهتمام العجيب بكرة القدم ومنافساتها، جاء مع عودة المبتعث "حمد" إلى بلاده في العام 1971، وهو الذي أرسله والده أمير قطر إلى بريطانيا للدراسة في كلية ساند هيرست العسكرية، والثابت كان معاصرته للهوس الذي أصاب الإنجليز لسنوات بعد فوزهم بكأس العالم 1966، وبعودة حمد إلى بلاده التحق بالقوات المسلحة، قبل أن تصبح هذه الجهة صاحبة القرار في توجيه كرة القدم في قطر.

 

جاهد حمد لإقناع والده ببناء ملعب في الدوحة لاستضافة كأس الخليج عام 1976، وتولى بنفسه متابعة أوامره بتجنيس لاعبين لتمثيل منتخب قطر، وهو القرار الذي أزعج بلدان الخليج يومها؛ ما جعل السعودية ترسل منتخبًا من اللاعبين البدلاء احتجاجًا على تصرف قطر الغريب!.

 

في العام 1977م، زاد جنون "حمد" بكرة القدم؛ ما جعله يرصد موازنة مالية كبيرة من مخصصات القوات المسلحة التي كان مسؤولاً عنها، لتمويل إنشاء مجلة "الصقر" المتخصصة في متابعة الأخبار الرياضية، وتمكنت هذه المجلة من استقطاب أهم الإعلاميين من الخليج إلى المحيط، فضلاً عن شبكة مراسلين في كثير من دول العالم، وجاء نجاح "الصقر" وانتشارها عربيًّا، محفزًا لجنون جديد يتعلق بالسيطرة الإعلامية من خلال كرة القدم، بعدما اكتشف أن هذه اللعبة مفتاح لأشياء أهم!.

 

في العام 1986 أصدر أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد، قراراً بغلق مجلة الصقر لوقف الهدر المالي في موازنة القوات المسلحة، وهو الأمر الذي أصاب "حمد" بخيبة الأمل، لأن هذه المطبوعة كانت بمثابة نواة لمشروع كبير، يرى أنه أهم من بناء المستشفيات والمطارات وتشييد الجسور!.. استمرت قطر في استضافة بطولات كرة القدم، بل استضافة الأندية والمنتخبات التي لا تجد أرضًا لتلعب عليها، كل هذا تبعًا لرغبة "حمد" وحبه لكرة القدم.

 

بعد وصوله إلى السلطة في عام 1995 عاد "حمد" إلى جنون اللعبة، ومعه جنون ثان يتعلق بالإعلام والصيت، وهو ما يلخص تجربته في إصدار مجلة "الصقر". 

 

اختار حمد أن ينقل تجربة الصقر الورقية إلى الشاشة، من خلال إنشاء شبكة تليفزيونية تتخذ من كرة القدم بضاعة للوصول إلى المتلقي العربي!.

 

مع افتتاح قنوات الجزيرة الرياضية، أصبح "حمد" يخطط لامتلاك كل شيء يتعلق بكرة القدم، والسيطرة على مبارياتها تحسباً لخلافات سياسية محتملة. امتدت طموحات حمد إلى التفكير بالسيطرة على اللعبة في العالم من خلال شراء الأندية الأوروبية، والسعي إلى الفوز بتنظيم المونديال.. وفي عام 2010 سافر حمد برفقة عائلته إلى زيوريخ، قبل أن يثبت بالفعل أنه "مجنون كورة" رسمي، حين فازت قطر باستضافة كأس العالم، وصعد إلى خشبة المسرح ليحتضن كأس العالم أمام الجميع بالطريقة التي كان يحتضن بها هدية العيد في طفولته!.

 

ولأن كل شيء في قطر ينبع من جنون "حمد" بكرة القدم، تحولت البلاد إلى ورشة عمل لبناء المنشآت ومد الطرق، وإنشاء شبكة المترو، تحضيراً لاستضافة كأس العالم، ولولا هذه المناسبة لنسي "حمد" حق بلاده في البناء والتنمية!

 

تمنّى حمد أن يواصل طويلاً الاستفادة من كرة القدم كـ"قوة ناعمة"، غير أن العزلة السياسية التي قاد بلاده إليها، أجبرته على كشف أوراقه والمجاهرة بتسييس اللعبة، حين تخلت قنواته الرياضية عن نعومتها، وتحولت للحديث أثناء المباريات عن مقاطعة قطر وعزلتها السياسية، بطريقة تجعل المتابع يشعر بالغثيان من رداءة الوسيلة وبؤس الغاية!.