ـ لهذا التلاحم السعودي الإماراتي ما بعده: طيور آمال كبيرة تبني أعشاشها على شجرة الطموحات. رغم كل هذا التاريخ الطويل من الصحبة الكريمة والجيرة الطيّبة والمحبّة المتجددة كل يوم، بالرغم من ذلك وبسببه أيضًا: لسنا سوى في البدايات!.
ـ شيء آخر غير العيش والملح، صار حقيقة ثابتة لأنه كان من الأساس حقيقة ثابتة: الموت والجرح!. اختلط الدم بالدم، والمصاب في الحرب حملته أكتاف من لا يقل عنه بسالةً ورغبة في نصر أو شهادة.
ـ ما يمكن التنبّه له من المُشتَركات كثير، بدءًا من صدح المآذن إلى رفعة الجباه، مرورًا بالقُربى وصلة الرحم واللغة والثقافة والتقاليد والمصالح المشتركة: بدءًا مما هو أصدق من التاريخ ولا انتهاءً بما هو أعمق من الجغرافيا!.
ـ في العمق من المسألة، هناك ما هو أكثر نبلًا وشهامة، ونجاحًا أيضًا: لم تتمكن دولة عربية في العصر الحديث من تحقيق وحدة جغرافية آمنة وراسخة كما فعلت السعودية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، البلد العربي الآخر والوحيد الذي تمكّن من تحقيق ثاني أكبر وحدة جغرافية هي الإمارات، على يد المغفور له الشيخ زايد طيّب الله ثراه: شيء ما يشبه التنويع الموسيقي على أكثر الألحان شرفًا ربط البلدين في أغنية واحدة!.
ـ كل من في السعودية يرى في محمد بن سلمان: "عبدالعزيز" آخَر، وكل من في الإمارات يرى في محمد بن زايد: "زايد" آخَر.
الفكرة النبيلة ذاتها تُعيد صياغة البهاء في أسماء جديدة، كل اسم مُرتبط وجدانيًّا وثقافيًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا بجذره العظيم، بحقيقة نسبه المتفوّقة عدلًا وبذلًا على كل ما يمكن للخيال اقتراحه من أساطير وهميّة!.
ـ ربما هذا ما يفسّر استثنائية الفرح الإماراتي باليوم الوطني السعودي: بهجة يستغربها من لا يعرف أصل الحكاية، أما من يعرفها، من يتنبّه لها، فبإمكانه فهم الأمر ببساطة: الإمارات ترى في النجاح السعودي نجاحها، الفكرة ذاتها والبذل ذاته، النظريّة ذاتها تتقدّم نحو صباحات أكثر إشراقًا!.
يشعر أي سعودي مقيم في الإمارات بأنه في داره، تحتضن الإمارات آلاف العوائل السعودية، لا تضخ فيهم سوى المزيد من محبتهم لوطنهم، لا تؤكد فيهم سوى أحقية فخرهم بسعوديتهم؛ الأمر الذي ظلّت قطر وعلى مدى عشرين سنة وأكثر، تحاول شكليًّا التشبه به والمزايدة عليه، الفارق شاسع، وهل من فرق أكثر اتساعًا وشساعة من بلدين: أحدهما يريدك لوطنك، كلما كنت سعوديًّا كلما سعد بك ومعك، والآخر يريدك طمعًا بتذويب ولائك وإعادة "تقطيره" لتصلح مشروبًا خاصًّا له؟!.
ـ يا لنبل المُعطِّر، ويا لخيبة المُقطِّر!.