|


-
القوة الناعمة
-
2017-10-01

 

 

 

 

من أجمل الكتب التي سلطت الضوء على علاقة السياسة بالرياضة، ما جمعه الدكتور ياسر ثابت قبل سنوات تحت عنوان "حروب كرة القدم"، وهو الكتاب الوحيد من نوعه في المكتبة العربية الذي يتحدث عن علاقة يراها العرب مجرد "فانتازيا"، بينما يدرك المختصون في علم الاجتماع وشركات العلاقات العامة أهميتها في تشكيل الرأي العام على المدى الطويل. ولفهم طبيعة العلاقة بين السياسة والرياضة يمكن مطالعة هذا الكتاب الثري.

 

ومنذ مطلع القرن الماضي اُستخدمت الرياضة مطية للسياسة في مناسبات كثيرة، وعندما استضافت ألمانيا أولمبياد برلين عام 1938 أمر أدولف هتلر بتخصيص موازنة مالية كبيرة لإظهار الوجه المسالم للدولة النازية، بقصد استمالة الشبان القادمين من أوروبا للإعجاب بـ"الفوهرر" وسياسته، تمهيداً لغزو بولندا في العام التالي!.. 

 

واستخدمت هوليود رياضة الملاكمة لإنتاج فيلم "روكي" الذي ينتهي بمباراة بين ملاكمين افتراضيين، الأمريكي "روكي بالبوا" ونظيره السوفييتي "إيفان دراجو"، ومع أن روكي تعرض لسيل من اللكمات طوال جولات المباراة من خصمه الشرير الذي لا يراعي قوانين اللعبة، إلا أن روكي نهض تحت تأثير هتافات المشجعين ليسوم "دراجو" سوء العذاب قبل أن يسقطه أرضاً، ويأخذ الميكرفون ليوجه رسالة إلى العالم مفادها أن أمريكا المحبة للسلام تسعى للحد من وحشية الاتحاد السوفييتي!.

 

ولا يعني دخول السياسة على خط الرياضة المزيد من النوايا الشريرة دائماً، ومن هذا إنشاء الاتحاد العربي للألعاب الرياضية على خلفية سياسية، ولكن هذه المرة من أجل وضع حد للاحتقان في الشارع العربي، بعدما اتسعت رقعة الخلافات خلال السبعينيات. 

 

أيضا البطولات الإسلامية التي كان هدفها إظهار الوجه المشرق للشباب المسلم الذي واجه تهمة الإرهاب بسبب أعمال فردية لا يمثل أصحابها حقيقة مجتمعاتهم.

 

تطورت علاقة السياسة بالرياضة لاحقاً، لتبلغ مرحلة السيطرة والتأثير على صناديق الاقتراع في الاتحادات القارية والعالمية من خلال قرارات سيادية تحدد وجهة التصويت وفقاً لمصالح وطنية ترتبط بالاقتصاد غالباً، وتمثل صفقة "حمد ـ ساركوزي" بتفاصيلها، الوجه البشع لعلاقة السياسيين بالرياضة، خاصة أن هذه الصفقة أطاحت بكل ما حولها، باستثناء ملف قطر 2022 المرشح لدخول غرفة "التفتيش" بعد انتهاء روسيا من استضافة مونديال 2018!.

 

أنفقت قطر بسخاء على هذه العلاقة، وراهنت على "المال السياسي" في فتح الدروب المغلقة، قبل أن تختار فرنسا تحديداً لتكون مفتاحاً انتخابياً، لاعتبار أن هذا الدور "المبهم"، لا تجرؤ دولة أوروبية على لعبه، باستثناء فرنسا التي تصنف مثل هذه الصفقات ضمن المصالح العليا للبلاد!. 

 

وتبقى قطر التي أسرفت على نفسها، المثال الأسوأ في استغلال علاقة السياسة بالرياضة، لأنها بحثت عن صناعة نفوذ من خلال "القوة الناعمة"، ودفعت مليارات الدولارات من أجل هذا، قبل أن تبرهن هذه القوة فشلها في المواجهة الأولى..

 

وتتحول شبكة القنوات "الناعمة" إلى التحريض المباشر!.. ولأن المال السياسي لا يصنع المعجزات دائماً، خسرت قطر ملياراتها وخسرت معها سمعتها ومصداقية قنواتها السياسية والرياضية!.