كلمة صغيرة، ربما تكون أشبه بفاصلة بين جملتين، صغيرة إلى هذا الحد وأكثر، قد تجرح، أو تخدش، الكلام والمشهد والقصد!.
ـ أقول لأحدهم إنني أحبك في الله، يكون الكلام طيباً، أُضيف في وسط كلمات المحبّة، كلمات صغيرة عابرة، مثل: لا تظن أن لي حاجة فيك، أو: لا أحبك لشيء فيك أو لشيء أريده منك، أو كلمات كهذه، تكون الغاية منها طيّبة، والنوايا فيها سليمة، لكنها ما إن تتكرر، أو يتم التركيز عليها والرجوع إليها مرّتين أو ثلاثاً، حتى يشعر من أتحدّث معه بضيق، قد لا يدري من أين جاءه، ولا كيف يردّه أو يتخلّص منه!.
ـ معه حق، حتى وإنْ لم يكن اعتذار الأسف واجباً عليّ!، وربما كانت براءتي الظاهرة من الخطأ، سبباً في إحساسه بثقل أكبر!.
ـ ليست الكلمات البذيئة ولا القاسية هي الأشد إيلاماً، أظنّ أن الكلمات غير المناسبة، في الحديث الطيّب، وفي حوارات المودّة والأُلْفَة، أشدّ إيلاماً، وأكثر أذيِّةً!.
ـ لماذا حين أُريد غَزْل سجّادة مودّةٍ، في كلمات، أُربِك الأمر بحرصٍ مبالغٍ فيه على تبيان نزاهة هذه المودّة من كل غرض؟!، مع أن دخول أغراض بعينها في هذه المحبّة قد لا يُفقدها نزاهتها أبداً، ولا يُعِيب أمرها في شيء!.
ـ من ناحية أُخرى، يمكن لقولي هذا، بخس الطرف الآخر كثيراً من حقوقه، فأن ألتقي بفنّان كبير محترم وصاحب موهبة أصيلة وتجربة طويلة مثلاً، ثم أقول له: إنني أحب قُرْبَك وأتمنى صُحبتك، لا لشيء ولا لحاجة ولا لهدف، فقط هكذا أحبك لله في الله، أكون صادقاً فقط في آخر كلمة، إذ الحب في نهاية المطاف من الله سبحانه.
ـ لكنني بسردي لكل ما سبق، أكون أولاً قد بخسته كثيراً من حقه، وهمّشت تجربته وتاريخه، وأنكرت عليه تأثير فنه وإبداعه فِيَّ وعليَّ، فقط لأثبت كم أنا نزيه الغرض!، وثانياً فإنني سأكون بقصد أو بغير قصد قد حمّلته جمائل، كانت له فصارت عليه!، وأخيراً قد أكون ورّطته، بل بالتأكيد أكون قد ورّطته، بتحمّل ثقلي دون إمكانيّة رد أو رفض أو تعليق، غير مجاملته لي بتبسّمٍ يخفي وراءه ضيقاً وإحساساً لا يقوى على إمساكه بِغِلْظَتِي!.
ـ المسألة هنا تُشبه أن يدعوك أحدهم لحفل تكريم ومهرجان احتفاء بك، الأمر طيّب وكريم، لكن تخيّل لو أن هذا الشخص راح يشرح لك فقرات الحفل، ويصف لك درع التكريم، بكلمات مثل: "تكريم لم تحلم به يوماً، وفقرات حفل فوق ما تنتظره بكثير، وماذا أقول لك عن الدّرع؟، آهٍ.. لو رأيته.. لركضت إليه وخطفته خطفاً!"، كلمات مثل هذه حتى وإن كان الهدف منها تبيان مدى التقدير والتوقير، فإنها تهدم التقدير والتوقير بقصد أو عن غير قصد، ولا أظن أن نفساً كريمةً يمكن أن تقبل حضور حفلٍ كهذا!.
ـ في الغالب ستعتذر شاكراً وتمضي في طريقك، هو سيظن أنك أضعت فرصة عمرك، وأنت ستذهب مبتعداً حفاظاً على كرامتك وصيانةً لها من إهانةٍ، أسوأ ما فيها أنها غير مقصودة!.