اهتديت لما سأكتب من سورة المسد، وأبرأُ إلى الله، فما أكتبه ليس تفسيرًا ولا فتوى، هو مجرّد تدبّر، وفيض تأمّلات، سواء ما سأقوله عن سورة المسد الآن، أو عن سورة الفلق بعد ذلك، وأعترف أنني قضيت سنوات أتدبّر في سورة المسد، وسنوات أطول في تدبّر سورة الفلق، ففي كل من السورتين الكريمتين كان هناك ما يحيّرني!.
ـ قبل سنوات، قلت لنفسي: ويلي، لا أجد خشوعًا في قراءتي لسورة المسد، كالذي أجده في غيرها من سور القرآن الكريم!، أحاول فلا أقدر!، ما العمل، ما حيلتي، وألهج بالدعاء إلى ربّي، أطلبه المعونة والمغفرة..
ـ قبل أيام، شرح الله صدري وفكري وأمري، فانتشيت، وأظن أن للقراءة من المصحف لا من الصدر، وفي الفجر بالذات، منفعة كبرى بفضل الله،..
ـ أضاء قلبي فهم جديد للخشوع، وهو أن الخشوع ومثلما هو درجات، فإنه أنواع!، هذا هو ما استجد لي وعليّ: أنّ الخشوع أنواع!،..
ـ والنوع غير الدرجة، هناك خشوع خوف، وهناك خشوع طمأنينة، وخشوع فرح، وخشوع حزن، وإنني أمام سورة المَسَد أدخل في نوعٍ من الخشوع بهيّ المنظر والأثر: خشوع الثأر والقصاص!.
ـ محبّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هي التي سيطرت عليّ وألهمتني هذا النوع من الخشوع، رحت أتذكّر كل ما صنعته الأيدي الآثمة بسيّد المُرسلين عليه السلام، وأتخيّل: ماذا لو صُنع بي أو بأبي أو أمي أو بحبيب أو قريب ما صُنع به فداه نفسي وأبي وأمي وكل قريب وكل حبيب؟!،
ـ هل هناك قصاص وثأر أكرم وأعظم من أن يذكر الله تعالى العقوبة في كتابه الكريم، ويحفظها من التحريف والزوال، ويجعل من تلاوتها تعبّدًا يؤجر عليه العباد؟!، وبدأتُ أقرأ بهذا الحس، وفاضت في الصدر أنوار، وعرفت أن الخشوع أنواع!.
ـ فماذا عن سورة الفلق؟!
ـ لأكثر من عشرين سنة، وأنا في حيرةٍ من أمري، أقرّ بنقص مداركي وقليل فهمي، لكنني لا أتهرّب من حيرتي، ليقيني بأنّ الله يفتح عليّ مغلقات الفهم، بما يشاء، فإنْ منع فلأمر خيرٍ يعلمه تعالى، فما هي حيرتي؟!.
ـ كنت أقول في نفسي: ليس في كتاب الله نقص ولا حرف زائد، وأتساءل لماذا لم تكتف السورة الكريمة بقوله تعالى: "قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق"، بناءً على أن "كل ما خلق" تفي بالغرض، فكل شيء من خلق الله تعالى؟!.
ـ قبل سنة أو أكثر بقليل فقط، أضاءني معنى جديد، عجيب، نعم كل شيء من خلق الله، لكن كل ما بعد هاتين الآيتين، خلق من الله له فعل في ذاته، وحركة من طبيعته!،.
ـ فلو كانت الاستعاذة من الغاسق فقط، أو من السحرة فقط، أو من الحاسد فقط، لشملهما القول الأول: "من شر ما خلق"، لكن لكل من الثلاثة حركة وفعل مضاف إلى خَلْقِه!، فنحن نستعيذ بالله من الغاسق "إذا" وقب!، ومن حركة النفث في العقد، والكشف يتضح أكثر في قوله تعالى: "ومن شر حاسدٍ إذا حسد"؛ ذلك لأننا بقراءتنا لقوله تعالى: "من شر ما خلق" قد كُفينا بإذن الله من شرّ الحاسد كمخلوق، أما من شر حركته في الحياة، فإننا نتمّ التحصّن منها في قوله تعالى: "... إذا حَسَد"!.
ـ والله أعلم.. الله أعلم.