|


سعد المهدي
فاصلة مصر والجزائر
2009-11-24
الدخول على خط السجال المصري الجزائري ليس من باب تأجيج الموقف أو سكب الزيت على النار كما أنه ليس محاولة لكسب موقع قدم في دائرة الأحداث، إنما هو محاولة لتفسير بعض ما حاول آخرون بعيدون عن الرياضة تأكيده أن مباراة كرة قدم بين فريقين عربيين أحدثت ذلك كله.. أولاً لأن مباراة كرة القدم في ذاتها وكذلك في نتيجتها لا علاقة لها بالأمر.. ثانياً لأن كل الأحداث الأخرى يمكن أن تثيرها أي حالة شغب مشابهة في أي موقع وأي مناسبة.
ما جعل الأمور تتدهور ليس المباراة أو النتيجة بقدر ما أن الأزمة خلقت عقب المباراة وخارج الملعب الذي أقيمت عليه المباراة وبعيداً عن التدقيق في صحة الروايات لكن ثمة شيء حدث في شوارع وفنادق ومطاعم الخرطوم شعر المصريون بأنه مس بكرامتهم وأنه إهانة لبلادهم خلق الأزمة وجاء تصدي الإعلام المصري للأمر ليفاقم الأزمة أدى ذلك إلى احتقان الشارع وتنامى إلى دوائر ثقافية وسياسية وأصبح رأيا عاما يضغط بدوره على صانع القرار الذي لا يمكنه تجاهل حالة تكدر مزاج الشارع.
مباريات مصر والجزائر الثلاث مرت داخل المستطيل الأخضر دون أي تجاوزات تستحق الإشارة إليها، فلماذا حدث ذلك في شوارع الخرطوم وهل يعقل أن يكون سببه تهشم زجاج الحافلة التي أقلت الجزائريين من مطار القاهرة إلى الفندق ولماذا عاد الجزائريون كبعثة منتخب وجماهير من القاهرة إلى بلادهم دون أن يمسهم سوء ولماذا مرت الأيام الثلاثة التي تفصل بين لقاء القاهرة والخرطوم دون أن تشن أي حملات إعلامية يشنع فيها كل طرف على الآخر.. هل كان لعدم الضبط الأمني في الخرطوم دور أو أن شغب الجماهير الجزائرية كان على درجة من الكفاءة لتجاوز الخطط الوقائية أم أن ما حدث لا يعدو تجاوزا لفظيا وهيجانا لجماهير معبأة أفرغت ما في صدرها من ضيق عيش وخوف من مستقبل مجهول على شكل سباب وإيماءات ترهيبية جعلت من الجماهير المصرية خاصة الطبقة المثقفة من إعلاميين وفنانين وسياسيين ـ الذين لسوء حظهم أو حظنا كانوا من بين حضور مباراة الخرطوم ـ جعل تفسيراتهم لما حدث في لقاءات فضائية ومقالات صحفية يصنع هذه الهالة السوداء المفجعة لمشهد المشاعر التي يكنها الشعبان لبعضهما البعض .
وإذا كانت الجماهير الجزائرية بهذا الوصف السيىء الذي قاله عنهم البعض وانسحب ذلك الوصف مع الأسف على شعب الجزائر بكل شرائحه وفئاته فلماذا لعب المصريون مباراتهم الأولى في الجزائر وعادوا دون أن يتعرضوا لأي أذى جسدي أو لفظي .. هل كانت المباراة الفاصلة فرصة أخيرة لأطياف أخرى ليست بالطبع رياضية في البلدين لاستثمارها على الشكل الذي يحقق هدفا ما.. أم أن الأمور سارت هكذا دون ترتيبات وتربيطات وغرف اجتماعات وعمليات؟!
حرب الأيام الأربعة التي انجرت لها السلفادور وهندوراس سنة 1969م كانت من مستصغر شرر مباراة فاصلة للتأهل لمونديال 1970م والذين لا يريدون الخير لمصر والجزائر من المؤكد أنه يسرهم تدهور العلاقات بين الشعبين على الشكل الذي يقدمه لنا إعلام وإعلاميو البلدين ولا أظن أن الطبقة السياسية في البلدين ستذهب إلى أبعد من استدعاء السفراء أو تغييرهم على أقصى تقدير وما يمكن التأكيد عليه هو أن ثمة نار تحت رماد العلاقات بين الشعوب العربية يستطيع أتفه شخص أو وسيلة إعلامية لا تتعدى موقعا الكترونيا أن ينفخ فيها لتجد المتربصين من الطرفين أو من وطاويط وغربان بعض الأحزاب والمنظمات والفضائيات ليتصدوا لها تصعيداً وتعقيداً تحقيقا لمصالحهم وخدمة لتوجهات أيا كانت وهو ما يحدث مع نشوء هذه القضايا الخلافية على أي شكل من أشكالها إذ هي ليست المرة الأولى التي تكشف العلاقات المتوجسة بين الدول العربية عن سوءاتها بل ولن تكون الأخيرة إذ لسنا بحاجة إلى مباراة كرة قدم لتفرز أحداثا كهذه ولا أود استعراض أحداث البعض منها من العيب أن يكون سبب خلاف بين جارين يسكنان شقتين في عمارة واحدة ربما ليسا في دور واحد دون أن أستطيع بالطبع أن أسقط من التاريخ أن حرب الأربعين سنه بين داحس والغبراء كانت بسبب مقتل عنزة مما يعني أن هذا الشبل من ذاك الأسد.
لا يستطيع العقل العربي الحضور عند أول رشفة استفزاز يقدمها له جاره في أي كأس كانت على شكل شتيمة أو اعتداء ولا فرق بين أهمية وحجم الشتيمة أو الاعتداء وهذه الحالة لا يمكن تفسيرها بمثل التسطيح الذي حاول البعض من المثقفين وغيرهم من المعادين أو غير العارفين بمناخات المنافسات الرياضية أن يفسروا به بعض الأحداث التي تجري في الملاعب أو خارجها وتعد من تداعياتها وهم بذلك يحاولون أن يقفزوا سور الرياضة القصير في نظرهم ليضعوا عليه بعض أزمات الشعوب التي لا يوجد في المطلق ما تتفق عليه أكثر من نجوم الرياضة والفن وقليل من أسماء النخب المثقفة واسم أو أسمين لزعيم تاريخي فهم يستسهلون تفسير ما هو أكثر عمقاً في وجدان الإنسان العربي الذي يؤمن بالأخوة لكن بميزان العدل والمساواة والاحترام والاعتراف بآدميته وحقه في التفكير والتعبير الذي يجده في المنافسات الرياضيـة والتجمعـات الرياضيــة والروابط والاتحادات الرياضية أكثر منه بكثير في الدوائر والتجمعات المختلفة الأخرى ومنها الثقافية والسياسية التي تحاول الآن أن تعلق على مشجبها (الرياضة) كل ما صنعته واقترفته هي (السياسة ) وجنته الشعوب.
ستهدأ الأمور في مصر والجزائر ولن تطول القطيعة ولن نقبل أن يقال أي سوء عن مصر وشعبها ورموزها وتاريخها في النضال والحرب والسلام ولن نقبل أن نسقط من ذاكرتنا صورة الإنسان الجزائري الذي سطر ملحمة بطولية للتخلص من الاستعمار راح ضحيتها مليون شهيد ولا رموزه التاريخيين سيبقى البلدان والشعبان رافدان لبعضهما البعض وجزءا هاما لا يتجزأ من جغرافية وتاريخ الوطن العربي ولن يكون هناك أفضل ولا أفعل من سحر الرياضة في إصلاح ما أفسدته السياسة وجنرالات الحرب وقادة مصابون بجنون العظمة فالتاريخ يحفظ للرياضة والرياضيين مواقف مشابهة بين قوى دولية عظمى وحتى دول مارقة أما محاولة الربط بين حادثة تييري هنري في مباراة فرنسا وإيرلندا فإنها جاءت في سياق عدم الفهم الذي ينتج عنه الخلط بين الأخلاقيات وروح الرياضة في حالات تتعلق بما يدخل في إطار التنافس داخل الميدان وهو دون شك مطلوب وصوره مشرفة وبين أحداث شغب خارج الملعب على خلفية عداء يستهدفك في شخصك أو وطنك من الخطأ التعامل مع الحالتين على أنهما شيء واحد؟!

* رئيس التحرير